القصيدة الشعبية لازمت المقاومة منذ نشأتها الأولى عندما أصبح الصليبيون يهددون مدننا الساحلية، بل أكثر من ذلك تم الاستيلاء على بعض المدن مثل بجاية ووهران وبعض جزر العاصمة الجزائرية من قبل الإسبان، مما جعل ركن الجهاد يتحول من التطوع إلى فرض عين على كل مسلم، لأن العدو داهم دار الإسلام، ومن هنا لم يجند الشعرالناس للجهاد فحسب، بل باعتباره وسيلة إعلامية وتحريضية فاعلة، كان له الدور الكبير في التصدي والمقاومة. القصيدة التي بين أيدينا والتي نعمل على نشرها في حلقات، هي من القصائد الوثائقية والتي تؤرخ لجهاد الجزائريين ووقوفهم في وجه الأطماع الصليبية الأوروبية التي حاولت لمرات متكررة تحطيم إرادة الجزائريين وإلحاق بهم الهزيمة في عقر دارهم فدارت المعارك البحرية الطاحنة وكانت الانتصارات والانكسارات وكانت العزائم قوية، وهذه الأبيات تؤكد أن الجزائريين دافعوا بشرف وبسالة عن بلادهم : '' كيف شافوا كما يصدر العسكر ذا الكفار ظنهم صار في حيره يدبر في ذا الراي وضاق امرهم ما صابوا من هو يشاور للصلح ولا من يفيدهم'' الأبيات تثبت أن الغزاة عندما دارت عليهم الدائرة وأصبحوا في حرج من أمرهم بدأوا يبحثون عن واسطة من أجل البحث عن الصلح، لكن الكفار كما يصفهم الشاعر، لم يجدوا واسطة لدى سلطان الجزائر عندما حاقت بهم الهزيمة العسكرية البحرية وقصفتهم المدفعية الجزائرية فيقول الشاعر : '' بعدما كانوا تناصروا اخذلهم ربّي وذلّهم والسلطان الله ينصره عازم للزضمه بشرهم'' تيقن الغزاة أن سلطان الجزائر عازم على قهرهم والهجوم عليهم هجوما كاسحا بعدما أذلهم الله ومكنّه من صدهم، يقول الشاعر : '' ومّا صال اعجب ما نفع للاسلام اعانه بمدافع فوقه مكلّفا يهزم به اعدانا يومّا بدا بغاوا يزضم الاسلام بلا شك عازمين عرفوا الكفار عوموا ذاك اليوم مشاوا هاربين والله يا لو كان داوموا لكانوا للكفار حاصلين'' وتصور الأبيات المعركة بصدق، بل تلتقط الحركة التي كانت تدور على البر والبحر والحوارات الجارية بين العسكريين، فقد كلف السلطان الحاميات أو المدفعية بصدّ الهجومات وإلحاق الهزيمة بالعدو، فبدأت المدفعية بصبّ نيرانها على الأعداء، وبدأ الهجوم المعاكس الذي أمر به السلطان فوقعت الواقعة بالجيوش الغازية عندما أدركوا أن الهجوم الإسلامي مؤكد والرّد سيكون قويا وكاسحا، ومن ثم أدرك الكفار قدرة الجزائريين على العوم والسباحة والهجوم فلم يبق لهم من مخرج إلا الفرار. بعد هذا الانتصار الكاسح على الكفار الغزاة، يختتم الشاعر هذا المقطع بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى ويتوسل له بصاحب الوسيلة العظمى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يحمي الجزائر العاصمة ''مزغنّه'' من الآفات وأن يجعلها آمنة مطمئنة، كما يرجو الشاعر من الله أن يجعل هذه الحماية بفضل من فيها من الأولياء والصالحين، فيقول: ''يا رب بجاه من أسمه محمد الصادق الأمين احمي مزغنه من الآفات واجعلها مطمان ابجاه الّى فيها من أهل العفا الرجال العيان اتفقت الاسلام للجهاد وصار الفرح يخدم في المتازر خاذين عناد بلا سيف القوم يعزم وأهل العلم مصابح البلاد معهم زادوا تحزم'' من خلال هذه الأبيات نلتقط صورا رائعة لهذا الصمود والمقاومة، فالشاعر الشعبي أدرك الدور المنوط به، وأن تفعيله يندرج في تحريك النخوة ورفع المعنويات وتصوير شجاعة المجاهدين وبسالتهم وخذلان الكفار وإذلالهم ساعة الصدق، خصوصا أن الجزائر المسلمة عندها رجالها الأوفياء الصادقين بإيمانهم والعلماء الذين تستنير بعلمهم فهم مصابيح الوطن الذين يرشدون إلى الطريق المستقيم، فكانت هذه الأبيات صورا تاريخية، والقصيدة كانت قصيدة مقاومة وجهاد بكل أبعاد الكلمة.