للشعر الملحون والمقاومة علاقة حميمية، وكأنما ميثاق جهادي ربطهما في سنوات الدم والنار، فأول ما وطأت أقدام المحتلين الفرنسيين بدأ الشعر بعملية التحريض وحث الجزائريين على المقاومة والجهاد، وليس فقط إبان احتلال فرنسا للجزائر سنة 1830 في شهر جويلية، بل سجل الشعر الملحون أيضا بطولته ومساهمة الشعراء في الجهاد والتصدي للاحتلال الإسباني للغرب الجزائري، ومن جملة الشعراء الذين رابطوا وجاهدوا، المجاهد والولي الصالح سيدي لخضر بن خلوف، ولهذا الدور الكبير الذي قام به الشعراء إبان المقاومة المسلحة، صدر كتاب يسجل دور هذا الشعر تحت عنوان "المقاومة الجزائرية في الشعر الملحون"، قام بإعداده وتقديمه جلول يلس أمقران الحفناوي، ويأتي هذا العمل الثقافي في إطار "الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007". القصة بين الشعر الشعبي والمقاومة قصة ما تزال تخبئ الكثير من الجماليات والبطولات، وما تزال الكثير من القصائد لم تنشر وتدون وتدرس دراسة تاريخية، وما يزال الكثير من الشعراء يوصفون بالمجهولين، رغم أن شاعر القصيدة الملحونة يذكر اسمه في آخر القصيدة، وهذا تقليد منه للقصيدة الجاهلية، حيث كان الشاعر يذكر اسمه مثل عنترة بن شداد حين يقول: " يقولون عنترة والرماح كأنها" أو قول امرؤ القيس "عقرت بعيري يا امرؤ القيس فأنزل". ثم كثيرا ما نجد الدارسين لقصائد الملحون ينسبون قصيدة ما الى شاعر مجهول، والحقيقة ليس هناك من شاعر مجهول لو تتبعنا المكان الذي ولدت فيه القصيدة وأيضا الزمان، لاستطعنا أن نتعرف على اسم الشاعر، لأن الشعر الملحون كان له حفظته ورواته رغم تجوله في الأسواق وانتقاله في ربوع الوطن من خلال المداحين، الذين يجوبون البلاد طولا وعرضا، وهذا الأمر لا يجعل صاحب القصيدة مجهولا إذا ما اتبعت القصيدة بالبحث والتنقيب عن مكانها وعن زمانها ولغتها، حيث يمكن من خلالها تحديد المنطقة ثم التعريف على الشاعر. الكتاب الذي صدر حديثا في إطار "الجزائر عاصمة الثقافة العربية"، يشكر صاحباه جلول يلس وأمقران الحفناوي على المجهود الذي بذلاه في جمع القصائد وترتيبها وتسليط الضوء على ما يجهل منها وعن بعض الشعراء المطمورين غير المعروفين، وإن كانت الكمية المنشورة غير سمينة من ناحية الكم وليس النوع، نظرا لأن الشعر الملحون هو اللسان الفني الجزائري الذي يعبر بصدق عن الشعب بكل أنواعه المختلفة، والكتاب وإن كان يحمل هذا العنوان "المقاومة الجزائرية في الشعر الملحون" من الناحية الكمية ضئيل، فإنه من الناحية النوعية وتتبع مراحل المقاومة وفطاحل شعرائها، غنى وثري، وهذا ما تم تأكيده في مقدمة الكتاب، حيث جاء فيها "ليس بالإمكان في هذه العجالة طرح موضوع الأدب الشعبي طرحا كليا مفصلا، لأن هذا يتطلب توفير الوقت والجهد والمادة". وفي المقدمة نلاحظ أن المؤلف رسم لنا صورة واضحة عن المقاومة، ابتدأها بالشاعر ولد بلخير، الشاعر جلول الحميسي، ابن رحو، الحاج مهيدي، عدة بن بشير، الطاهر بن حواء، ميدوني الحاج قويدر بن طريية، الشاعر ابن السويكت، الشاعر محمد الماحي، الشاعر عبد القادر بن شهرة، الشيخ الخالدي والشاعر بوزيان.. أما الشعراء غير المعروفين فقصائدهم كثيرة... استهل المؤلفان كتابهما بقصيدة خالدة لسيدي لخضر بن خلوف تحت عنوان معركة "مزغران 1558م" ضد الإسبان، ثم قصيدة أخرى تحمل عنوان "هجوم أسطول الدنمارك على الجزائر سنة 1770" للشاعر ولد عمر، ثم قصيدة للشيخ عبد القادر الوهراني تحمل عنوان "احتلال مدينة الجزائر".. وهناك قصيدة أخرى تذكر احتلال مدينة الجزائر للشاعر مصطفى بن ابراهيم، وقصيدة أخرى تحت عنوان "الأحداث التي أدت الى احتلال الجزائر لشاعر مجهول" (قصيدة طويلة)، و"غزو مدينة الجزائر" قصيدة للشاعر عدة بن بشير 1846، وقصيدة حول مبايعة الأمير عبد القادرو، واحتلال مدينة قسنطينة للشاعر ابن عبد الله (1837)، وقصيدة حول ثورة الولي الصالح بوزيان وحوادثها وقعت حوالي 1848 للشاعر محمد ليشاني، وقصائد أخرى تناولت المقاومات الشعبية المتسلسلة المتواصلة، ليصل بن الكتاب الى الثورة الشاملة والخالدة ثورة أول نوفمبر 1954. الكتاب من الحجم العادي على 167 صفحة تحتوي على 34 قصيدة، بالإضافة الى جدول تاريخي لبعض الحوادث وفهرس الإعلام والقبائل والأمكان.