الحديث عن الشعر والمقاومة حديث ذو شجون، فالشاعر الشعبي وحدة تحمل المسؤولية في غياب الإعلام الرسمي للمقاومة والمؤرخين والشعراء والكتاب وغيرهم إلا نادرا، فوجد الشاعر الشعبي نفسه يتحمل هذه المسؤولية المرهقة ويبشر بالجهاد والثورة على المحتل ويحث العروش ويمدحها ويمدح بسالتها وشجاعتها عند ما يستصرخها منادي الجهاد والوطن دفاعا عن الأرض والعرض، وأنا أتصفح بعض الوثائق عثرت ليس بطريقة الصدفة على بعض القصائد الشعرية الشعبية التي تصور ما حلّ بالجزائر أثناء الاحتلال، وذلك ما نشر في المجلة الإفريقية في سنتها ''''38 الصادرة سنة (1894) وهذا للإطلاع عليها. القصائد الشعبية تصور مقاومة الشعب الجزائري للحملات البحرية العسكرية المتكررة على الجزائر من قبل الصليبيين الاوروبيين والتي تواصلت لمئات السنيين بعد سقوط الأندلس ومحاولة الاوربيين احتلال الشمال الإفريقي، فكانت الحملات متعددة والغزوات كثيرة، وصد هذه الهجمات من قبل الجزائريين يدخل في الحقيقة ضمن المقاومات الشعبية حتى ولو كان هناك الجيش النظامي التركي، لأن المقاومة الشعبية تصدت قبل نجدة العثمانيين للجزائر للحملات الصليبية.القصيدة الشعبية تبدأ كما تعود الشاعر الشعبي في استهلالها بالبسملة أو بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، والقصيدة هنا ينعتها الشاعر بالقصة الكاملة أي الحادثة التي حدثت يصفها بتمامها ودقتها لأنه عاشها وعاينها، والقصة فيها شيء من الدهشة من قوة العدو العسكرية فيما يخص السلاح والتطور الذي حصل له في هذا، فيتعجب الشاعر من قذيفة المدفعية والتي يصفها ب''البونبا'' حيث كان العدو يقصف المدينة من بعيد دون أن يكون قريبا من مرمى يتوسل الشاعر الله سبحانه وتعالى ويطلب منه النصر للمجاهدين والهزيمة للعدو. تقول القصيدة في مقطعها الأول: بسم الله نبدى على وفا ذا القصة تعيانا '' قصة ذا البونبه المتلفه كيف جابوها أعدانا وأضحاوا على البعد واقفا ما قرب لحذانا يا رب يا عالم الخفا أهزم جيش اعدانا يا رب يا عالم الخفا'' ثم يستمر الشاعر في قصيدته طالبا من الناس أن يسمعوا منه هذه القصة وما جرى فيها من شدائد، حيث يقول : '' أستمع يا قوم ماطرا فيّ هذه القصة نعيده قصة ذا الكفار ظاهرا دّين المارك اخزيو جدّه'' من خلال القصيدة التي تتكلم عن هذه القنبلة الدانماركية التي طلب الشاعر من مستمعيه لعن قنصلها الكافر بعد أن بين لنا في البداية أن هذه القنبلة نقلها العدو من أجل أن يقصف بها الجزائر، ويستمر الشاعر في سرد هذه القصة القصيدة الشعرية فيقول : '' حين امشات لهم بلا كرة غنموها الاسلام كثيرة فازوا بغنيمة مزخرفة بالارزاقى ملانا جات بسفين الروم حالفة أن يعسوا ابتاعنا حلف يامانات كفرهم حتى أن يعطيوا مامشا واه نهدم بلادهم جاوا بذا الطبعه محرشه الكفار ابليس غرهم ظنوا في البهجه مشوشه أخذلهم ربي وذلهم لا صلاح الاسلام كيف شاء'' القصيدة المقاومة واضحة وتنقل لنا أن الصليبيين قدموا من أجل تهديم مدينة الجزائر وتخريبها، معتقدين أن الفوضى ضاربة فيها فانتهزوا الفرصة للانقضاص عليها وقد سول لهم الشيطان ذلك''.الغرض من هذه الحملة هو تهديم مدينة الجزائر، إلا أن الله خذل الغزاة الصليبيين وجعل كيدهم في نحرهم وانتصر المجاهدون، لأن مشيئته وقدرته سبحانه وتعالى شاءت هذا الانتصار... ؟ يتبع...