العالم العربي يمر بأزمات حتى أضحى يخبط خبط عشواء وتختلط عليه المفاهيم والنظم. هذه الأزمات المتصاعدة تشارك فيها الأنظمة العربية وغير العربية حتى تلك التي تدين بدين الديمقراطية الغربية وعلى رأسها إسرائل وما تصنعه بقطاع غزة على مرأى ومسمع دعاة حقوق الإنسان والحيوان وأصدقاء البيئة، كل هذا جائز في عالمنا الذي نعيشه أو ذاك الذي نجلس إليه كل مساء وكل نشرة أخبار. إلا أن دعاة الفتنة من الإعلاميين الذين تعجبهم وتروقهم تلك الصور المرعبة التي ينقلونها إلى الناس، يهللون للمسيرات البريئة والذكية إن صح هذا التعبير ويبشرون بها وبسقوط الأنظمة العربية في المشرق والمغرب ويدفعون الشعوب إلى الاقتتال والتناحر فيما بينها كما هو الحال في اليمن وليبيا. دعاة الفتنة يتمنون للجزائر الجميلة أن تشتعل، يستضيفون في قنواتهم من لفظتهم السياسة والديمقراطية، بل من كانوا دعاة الاستئصال والحكم العسكري من أجل أن يحكموا هم بنفس منطق القوة لا قوة إرادة الشعوب بالصناديق وإنما قوة السلاح والنار والغصب. دعاة الفتنة الذين لم توقفهم العشرية الحمراء ولا مئات الآلاف من الضحايا الذين سقطوا في الجزائر ولا التخريب الذي حلّ بالاقتصاد الوطني وقفة تمعن وتفكير ومقارنة بين ما كان وما هو كائن. فالذي كان أنّ ديون الجزائر تجاوزت ال30 مليار دولار مما أدى بالجزائر أن تصبح رهينة لدى صندوق النقد الدولي وتلجأ إلى تشكيل العديد من الحكومات باسم الإنعاش والخروج من الغيبوبة أو الموت السريري، كما مرت بعشرية العنف والاقتتال الذي أدى إلى سقوط آلاف الضحايا، كما أصبحت في عزلة دولية أو شبه دولية بحصار حتى أن ''الفيزا'' لمن يريد الخروج خارج الجزائر يتحصل عليها من تونس لغلق عدة دول سفاراتهم بالجزائر، هجرة مئات الآلاف من قراهم ونزوحهم نحو المدن، تعرض الأراضي الزراعية إلى الإهمال بعد نزوح الفلاحين، تعطل وسائل الحياة وأصبح من الصعب، بل من المغامرة أن يسافر أي مواطن بعد المغرب أو العصر، أما ما هو كائن عودة الأمن والمصالحة الوطنية وتسديد الديون الجزائرية، بل تحولت الجزائر بسعتها إلى ورشة كبيرة يشهد لها الداني والقاصي، وهذا لا يعني أنه لا يوجد فساد أو ظلم أو غير ذلك، بل هناك الفساد وسرقة المال العام والبطالة وعدم توزيع السكن بعدل بل كل هذا موجود وإن دلّ على شيء فإنّما يدل على أن المواطن الجزائري الذي ضمن حياته وأمنه أصبح يطلب حقوقه وهذا أمر طبيعي. فهل دعاة الفتنة يريدون لنا العودة لسنوات التسعينيات ليتقاسموا ما أصبح يسيل لعابهم من عشرات الملايير بل المئات من الدولارات حتى يسطوا عليها وتعود الجزائر كما كانت في السابق رهينة صندوق النقد الدولي. هل من البراءة أن تأتي جحافل القنوات الأجنبية لتغطية بعض مئات تم جلبهم من أماكن خارج العاصمة من عجائز وسيدات ليصيحوا بتغيير النظام باسم الشعب الجزائري؟ من أوكلهم أن يتكلموا باسمه وهم من دمّروه وهم أول من دعوا إلى الإقصاء واستعمال العنف ضد ما أفرزته صناديق الديمقراطية.