للدمعة ملحها وحرارتها فمن أين للكلمة هذا الملح والحرارة وقد ينهار بناؤها ويتوتر معناها؟ عند ما نكتب نطارد صور الكلمات ونحاول اصطيادها كما يفعل الأطفال بفراشات الربيع، نعم للكلمة الرائحة والشوك مثلها مثل الورد، لكن الكلمة أشد ألما من الألم وأوسع من مساحة الوجع. بالأمس فقط كان مكانه يملأه الفرح والابتسام، كان يهدينا المحبة وحينما نتفقد مكانه اليوم تهجرنا الكلمات والابتسامات معا ويخيم علينا الصمت. علي يونسي، نحن نؤمن أن لكل بداية نهاية وأن كل حي مآله الفناء إلا الحي الذي لا يموت، نؤمن ويملأنا الإيمان أننا ننتقل من دار البوار إلى دار القرار، ومن دار الفناء إلى دار البقاء. أنت أيها الراحل من غير أن تودعنا بكلمة، كنت دائما تتعامل مع الكلمات، تعطي للكلمات حقها وتزنها بميزان الخير ولا تهدرها وتبذرها لأنك أدركت أن للكلمات معنى، ويحضرني في هذا البكاء الكلامي قول الإمام علي كرّم الله وجهه : '' قدّم لنفسك في الحياة تزودا فلقد تفارقها وأنت مودّع واهتم بالسفر القريب فإنه أنأى من السفر البعيد واشنع'' وأنت أخي علي كان زادك الإيمان والصدق والحبّ والخير. أيها العزيز الراحل، قامتك أكبر من الكلمات التي نسطرها وأوسع من المعاني التي نحاول تداركها، إن أصدق الشعر هو الرثاء لأن الميت لا يهب لمادحه دينارا ولا يشكره على إطرائه له، ولهذا يكون الرثاء أصدق الشعر لأنه يعبر بكلمة صادقة لا رياء ولا مبالغة فيها. علي، هل تبكي الكلمات؟ هل للكلمات دموع؟ هل ذلك الماء المالح الساخن له وحده قدرة التعبير عن فداحة المحنة أو لغة الفرح، أم أن للكلمة دموعها تبكى وتتألم وتصبر. علي، كلما تهاطلت برقيات التعازي على الجريدة كلما تفجرت بين وجداننا الأحزان وكنت أنت الصورة التي يضببها مطر الدموع عندما نمسح المطر تنمسح الصورة. علي، إننا فقدناك بيننا لكن لنا رجاء في الله سبحانه وتعالى أن يبدلك أهلا خيرا منا وخيرا من أهلك، أما نحن فنسأله سبحانه وتعالى أن يلهمنا الصبر على فقدك وأن يجلعنا من المأجورين بك، وعزاؤنا فيك أنّ خير الخلق صلى الله عليه وسلم انتقل إلى رحمة ربّه وأن كل نفس ذائقة الموت. وقد صدق كعب بن زهير في بردته الكريمة حينما قال: كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوما على آلة حدباء محمول فإذا حملت إلى القبور جنازة فاعلم أنك بعدها محمول وقول الآخر: تفانوا جميعا فما مخبر وماتوا جميعا ومات الخبر وصاروا إلى مالك قاهر عزيز مطاع إذا ما أمر تروح وتغدو بنات الثرى فتمحو محاسن تلك الصور فيا سائلي عن أناس مضوا أما لك فيما ترى معتبر؟ اللهم أخذت عليا إليك فانزله منازل رضوانك واشمله بفيض غفرانك، واسكنه فسيح جنانك، وارزق أهله الصبر والسلوان فإنك رحيم رحمان.