التغيير، كلمة قد تجذب البعض وتخيف البعض الآخر، فهي تعني ان نتخلى عن القديم الذي تعودنا عليه، وان نتوجه الى الجديد المجهول الذي قد يكون حسب طموحنا الذي سعينا الى تجسيده على ارض الواقع، بالمقابل قد يخيب أملنا وننهار وربما نندم على اتخاذنا هذه الخطوة وهذا التغيير... وفي هذا السياق، كيف يرى الناقد المسرحي سمير مفتاح أهمية التغيير من عدمه في واقعنا؟ ويجيب سمير مفتاح على هذا التساؤل في نصه المسرحي »المرآة« الذي قرأه اول امس على الحضور بالمقهى الأدبي لاتحاد الكتاب الجزائريين وعلى هامش الاحتفال باليوم العالمي للمسرح، حيث صمم في نصه على ضرورة التغيير ولو وصل به الأمر الى ادعاء النبوة، وهذا بهدف زلزلة السلبية التي يعيشها المجتمع ودفعه الى الحركية نحو تحقيق مستقبله. ويحكي نص »المرآة« الذي تحصل صاحبه على الجائزة الأولى لرئيس الجمهورية على معاشي لإبداعات الشباب سنة ,2009 قصة يوسف (طبيب) وعبد العزيز (ممرض) بمصحة الأمراض العقلية، واللذين يواجهان مريضين مزعومين، احدهما متفائل الى حد الثمالة (يحيى) والثاني يائس الى درجة الموت (سعيد)، فيدخل الجميع في نقاش حول اهمية التغيير ونسبته ومداه وكذا ضرورته في المجتمع. ويجد يوسف الطبيب نفسه امام شخصين يقولان كلاما متناقضا لكنه يصب في قالب واحد وهو »التغيير« يدخل الجميع في صراع عن جدواه من عدمه، ويقول سعيد أنه سلف ابن خلف وليس العكس، باعتبار أن واقعنا يتحرك ولا يتغير وبالاخص منذ خمسة قرون اي منذ سقوط الاندلس ونحن نعيش الخيبات والتدهور المستمر. يؤكد سعيد للجميع انه جده وحفيده في آن واحد، لأنه لم يتغير عن جده ولن يكون حفيده شخصا مختلفا عنه، حتى أنه يرى نفس الشخص نفسه قبالة المرآة سواء كان هو أو جده أو حفيده، ليقرر التحول مع الوقت الى راصد ارهاصات بمهمة نبيلة تتمثل في تغيير العالم. نعم، لقد قرر سعيد وأخوه يحيى، تغيير العالم، وتحطيم مرآة الزمن الثابتة، وكم تكون سعادتهما كبيرة حينما ينضم اليهما يوسف الطبيب، الذي فهم أن الجنون يقبع خارج المستشفى، حيث يقتل البعض البعض الآخر لأسباب واهية او حتى بدون سبب. والتحق يوسف بسعيد ويحيى، ووجد نفسه في خضم تناقضاتهما، ابعد من ذلك، فقد قرر ان يجعل منهما منطلقا لتغيير المجتمع، فيقول في نص المرآة: »أنا مستعد للحلول القصوى، حتى ولو وصل بي الأمر الى ادعاء النبوة، نعم يجب احداث التغيير«. ويدعي يوسف النبوة، اما سعيد فلأول مرة يشعر بسعادة حقة، حينما يكتشف ان الزمن متحرك وان نفسه تتغير في كل مرة، فكيف له ان يشبه اجداده او حتى احفاده؟ وأخيرا اصبح للزمن معنى! ووسط كل هذه الهزات، يجد كل واحد منهم نفسه امام مرآة قد تكون مرآته الخاصة ام انها مرآة الحقيقة؟ ولكن هل هناك حقيقة واحدة يتفق عليها الجميع من دون نقاش ولا بلبلة؟ ويتدخل يوسف ويقول الحقيقة تقبع في نفس كل واحد منا وعلينا أن نطل عليها لنراها. إذا كان ما يقوله يوسف صحيحا فما أسهل من ايجاد الحقيقة.. لا بل ما أصعب العثور عليها، فأنفسنا تغيرت وتكدست عليها طبقات من الصفات الذميمة فأصبح الغوص في اعماقنا خطيرا بل قد يؤدي الى الاختناق فكيف لنا أن نسبح في مياه عكرة؟ فحينما تنزوي الحقيقة وراء الزيف والنفاق والكذب، ألا يكون اللجوء الى مصحة عقلية أمرا في غاية العقلانية؟ فما الفرق بين الجنون الذي يقبع خارج أسوار المصحة وذلك الذي يسكن داخلها؟ أليس المجنون في عالمنا عاقلا قيل لأنه أصيب بالهبل لأنه فهم العالم اكثر من اللازم فأصيب بإحباط اعقبته كآبة فانهيار، ومن ثم الصقت بجبينه صفة الجنون؟ فمن المجنون الحقيقي؟ ذاك الذي تخلى عن انسانيته أم ذاك الذي لم يتقبل ان يتجرد مما وهبه الله وان يرتدي ثياب الحيوانية؟ بالمقابل، قد يبحث الإنسان عن التغيير، فيهتم بتغيير العالم والمحيط الذي يعيش فيه وحتى الاشخاص الذين يحيطون به، ولكن التغيير الحقيقي يبدأ من النفس، فليتشجع الواحد منا وليقف امام مرآته للحقيقة، ولينطلق في عالم التغيير، عله يجد نفسه أخيرا. للإشارة، تحدث سمير في المقهى الأدبي عن استخدامه معيار الصراع في نصه، وهو ما يتطلبه كل عمل مسرحي علاوة على الإيحاءات، متمنيا في السياق ذاته ان يتم ترجمة عمله على الركح، بالمقابل قال المتحدث أنه تنبأ بالتغيير الذي حصل في اكثر من دولة عربية رغم أنه كان يرحجو أن يحدث ذلك سلميا.