وصف السيد بطرس بطرس غالي الأمين العام الأسبق لمنظمة الأممالمتحدة والرئيس القومي الحالي لمجلس حقوق الإنسان بمصر موقف المنظمة الأممية من تفجيرات الجزائر في ال11 ديسمبر الماضي بالتصرف غير القانوني· وقال بطرس غالي الذي نزل ضيفا على منتدى جريدة الشعب نهاية الأسبوع أن قرار المنظمة الأممية بتشكيل لجنة تحقيق في هذه التفجيرات التي استهدفت إحداها مقرا للمنظمة بالعاصمة غير قانوني لأنه لا يمكن في أي حال من الأحوال اتخاذ مثل هذا القرار وإرسال لجنة تحقيق دولية لأي بلد دون موافقة هذا الأخير· وهو الأمر الذي تجاهلته المنظمة حينها بدعوى حماية موظفيها عبر مختلف أنحاء العالم في الوقت الذي رفضت فيه السلطات الجزائرية القرار واعتبرته تدخلا في شؤونها الداخلية· وكانت الندوة التي نشطها بطرس غالي بمنتدى جريدة الشعب فرصة لإثارة القضية الصحراوية حيث فشل في إيجاد تسوية سلمية تنهي النزاع في الصحراء الغربية القائم بين جبهة البوليزاريو والمغرب منذ أزيد من ثلاثة عقود عندما شغل منصب أمين عام الأممالمتحدة في تسعينيات القرن الماضي· وقال في هذا الصدد "كأمين عام حاولت أن ألعب دورا في حل الخلاف بين طرفي النزاع وإيجاد مصالحة بين المغرب والجزائر إلا إني فشلت، وأكد في المقابل أنه من مصلحة العالم العربي أن يسوى النزاع"، واعتبر أنه يمكن التوصل إلى تسوية سلمية تأخذ بعين الاعتبار كافة المطالب إذا توفرت الإرادة الحقيقية لذلك· واستعرض بطرس غالي تجربته في مجال حقوق الإنسان حيث يشغل حاليا منصب الرئيس القومي لمجلس حقوق الإنسان بمصر الذي أنشئ قبل خمس سنوات· وقال إن مستقبل حقوق الإنسان في العالم العربي مرتبط بالإرادة السياسية للدول التي تريد التغلب على القيود وتساهم في الدفاع عن الحريات الأساسية وبمدى وعي الرأي العام العربي بأهمية الدفاع عن حقوق الإنسان، خاصة وأن ثقافة حقوق الإنسان ثقافة جديدة على الرأي العام العربي وترسيخها يتم من خلال الربط بين ثلاثية "الديمقراطية، التنمية وحقوق الإنسان· وأقر المسؤول الأممي السابق بوجود صعوبات تعترض طريق المهتمين بترقية هذا المجال في العالم العربي، وقال نحن في بداية الطريق ويلزمنا عدة سنوات من أجل تحقيق النجاح المطلوب، لكن ذلك لم يمنعه من التفاؤل بشأن مستقبل الدفاع عن حقوق الإنسان باعتبار تطوره يحسن من صورة العرب في أعين الغرب· وفي نفس السياق أعلن عن عقد مؤتمر لحقوق الإنسان بالعاصمة المصرية القاهرة شهر ديسمبر القادم يجمع مختلف المؤسسات الإفريقية والعربية النشطة في هذا المجال بمناسبة الاحتفال بالذكرى ال60 للإعلان العالمي لمبادئ حقوق الإنسان· وأعرب عن أمله في أن تستمر هذه الندوات واللقاءات بهدف تعزيز العلاقة بين المؤسسات الحقوقية والدول· وكانت الجزائر احتضنت الأسبوع الماضي ملتقى المؤسسات وحقوق الإنسان في الوطن العربي في طبعته الرابعة وعرف مشاركة العديد من المنظمات الحقوقية من مختلف البلدان العربية· من جهة أخرى دعا الأمين العام الأسبق لمنظمة الأممالمتحدة الدول العربية إلى لعب ورقة الدبلوماسية بالاهتمام بالسياسة الخارجية حتى تتمكن من فرض رأيها والمشاركة في صنع القرارات الدولية·وقال أن وزن أي بلد يقاس بمدى اهتمامه بالسياسة الخارجية باعتبارها السبيل الوحيد لإيصال صوته إلى العالم الخارجي ومن ثم المشاركة في صنع القرار الدولي· واعتبر أن العبرة ليست في قوة الدولة وإنما في الإرادة السياسية التي تمتلكها لإثبات وجودها في هذا العالم وهو ما يفرض، حسب بطرس غالي، ضرورة إيلاء السياسة الخارجية نفس الاهتمام الذي تعيره الدول العربية لمشاكلها الداخلية وقضاياها الوطنية· ودعا المسؤول الأممي الأسبق إلى الانفتاح على العالم الخارجي لأنه في تقديره مفتاح الاستعداد لمواجهة العولمة ولعب دور فيها مستقبلا، وذهب إلى أن ظهور الارهاب تزامن مع فكرة العولمة، مؤكدا أنه لا يوجد لحد الآن اتفاق حول الإرهاب وإنه طالما هناك عولمة في جميع الميادين، فسيتم في السنوات القادمة معالجة الكثير من المشاكل الداخلية على المستوى الدولي· واستعرض بطرس بطرس غالي مساره كأمين عام أممي وتجربته في السياسة الدولية وفي إدارة الأزمات والصراعات في مناطق مختلفة من العالم التي منها ما نجح في تسويتها سلميا مثل احتواء النزاع في السلفادور ورواندا وجنوب إفريقيا ومنها ما فشل في إيجاد تسوية سلمية لها مثل القضية الفلسطينية· وبين الفشل والنجاح أكد بطرس غالي أنه مهما كانت خطورة النزاعات والصراعات التي يشهدها العالم وتعقد خيوطها، فإنه يمكن تسويتها سلميا والتجربة الميدانية هي التي أثبتت ذلك·وهو ما جعله يبدي تفاؤلا بإمكانية التوصل إلى تسوية سلمية للقضية الفلسطينية وإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومن ثم العربي الإسرائيلي في عمومه، وقال أن الحل بيد الجيل الجديد· وقاده حديثه عن فشله في تسوية بعض النزاعات التي شهدها العالم عندما كان أمينا عاما للأمم المتحدة إلى الحديث عن المنظمة الأممية التي قال أنها تمر بأزمة منذ نهاية الحرب الباردة التي انتهت بسقوط العملاق الاتحاد السوفيتي وظهور الولاياتالمتحدةالأمريكية كقوة وحيدة فرضت نظاما دوليا جديدا سمح لها بالسيطرة على العلاقات الدولية· واعتبر أن إخراج المنظمة الأممية من هذه الأزمة لن يتم إلا بحلين لا ثالث لهما فإما أن يحكم الولاياتالمتحدة رئيس يؤمن بالتعددية والتفاوض مع الغير ويقتنع بأن مصلحة الولاياتالمتحدة في مشاركة الآخرين في صنع القرار الدولي وليس فرضه عليهم بالقوة، أو أن تظهر دول كبرى أخرى كالصين والبرازيل والهند أو هيئات أخرى ذات فعالية مثل الوحدة العربية تكون قادرة على مواجهة الزحف الأمريكي وبالتالي التوصل إلى حد أدنى من العلاقات الديمقراطية، يسمح بإحداث توازن ليس فقط داخل المنظمة الأممية وإنما في العالم بأكمله· لكن بطرس غالي أكد أنه يجب الاعتراف بأن الولاياتالمتحدة هي الدولة الوحيدة التي تسيطر في الوقت الراهن، وأن سيطرتها ستستمر خلال السنوات القادمة حتى وإن كانت لا تملك القدرة على حل كافة مشاكل العالم، لكنها على الأقل تملك القدرة على منع دولة أخرى من الظهور كقوة عالمية·