تهبّ نسائم حضارية من تونس الخضراء على عروس الثقافة الإسلامية وجوهرة المغرب العربي تلمسان، في أيام ثقافية تنطلق اليوم بقصر الثقافة بإمامة ، وتحمل بين جنباتها عدّة أنشطة ومحطّات إبداعية وفنية تنمّ عن ثراء وتنوّع الموروث الثقافي، الفني والتراثي للشقيقة تونس. "تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية''ستتزيّن إلى غاية الخامس والعشرين من ماي الجاري بأطياف ثقافية قادمة من شرق المغرب العربي، وذلك بعد أن عاشت مؤخرا قبسات من حضارة بلاد الرافدين، وتابعت مشاهد من ثقافة الأناضول، إذ ستكون تونس حاضرة بفلّها وياسمينها، بفكرها وثقافتها وإبداع أبنائها، الذين سيبرهنون للمرة الألف على مدى التّلاحم الأخويّ بين الشعبين الشقيقين الجزائري والتونسي، ليس فقط في الجغرافيا والتاريخ إنّما في العادات والتقاليد والأذواق الفنية . افتتاح هذه الأيام الثقافية سيكون عبر ثلاثة معارض، سيحتفي الأوّل بالفن التشكيلي من خلال عشرين لوحة أبدعتها أنامل الفنانين التشكيليين التونسيين، والثاني يخصّص للخط العربي يشمل لوحات لخطّاطين تونسيين، والثالث والأخير يضم أهمّ المنشورات التونسية. وتحية ل''غرناطة إفريقيا''، تلمسان، يقدّم الشاعر جمال الصليعي خلال الإفتتاح قصيدة ثناء ومدح لعاصمة الزيانيين، فيما ستمتّع فرقة ''السلام'' للمدائح والأذكار ببني خيار الحضور بوصلات في مدح الحبيب المصطفى والتضرّع للخالق الواهب، لتتوالى مختلف المحطات الإبداعية التونسية التي ستحتضنها إلى جانب قصر الثقافة بإمامة، دار الثقافة ''عبد القادر علولة".
وسيمثّل الفن السابع التونسي، في هذه الاحتفالية، عددا من الأعمال السينمائية، التي تعبّر عن واقع الشارع التونسي، على غرار الفيلم الطويل ''ثلاثون'' للفاضل الجزيري ، ويسلّط في111 دقيقة على فترة تاريخية لتونس، وهي سنوات الثلاثين التي يمكن اعتبارها في تاريخ الأفكار السنوات الذهبية في الفكر التونسي، وهو قناعة وموقف فكري للمخرج الذي يرى أنّ سنوات الثلاثين هي إرهاصات الحداثة بالبلاد التونسية وطلائع هذه الحداثة. إلى جانب فيلم''وجد''لمحمود بن محمود، الذي يستعرض بعض ألوان الترانيم والطقوس الجسدية الصوفية التي يناجي من خلالها المسلم ربّه في حلقات الذكر والسماع، ويبدأ الفيلم رحلته من تونس على إيقاعات أوراد الطريقة الشاذلية، لتحطّ على ضفاف النيل لحضور دروس تجويد القرآن الكريم بالأزهرالشريف، مروراً بجامع الحسين حيث تتجمع المواكب الصوفية للإحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم. أمّا فيلم ''بابا عزيز''، فحصد عددا من الجوائز الدولية و المحلية، نظرا للصورة الفنية والجمالية التي تطرحها الرؤية الإخراجية الفريدة لرحلة التصوّف والتأمّل الروحي، مبرزا روح السماحة الغضّة وانفتاح وسعّة أفق الدين الإسلامي، بعيدا عن الأفكار المتعصّبة والأحكام المسبقة، حيث يحكي الفيلم قصة العجوز الضرير''بابا عزيز''، الذي تصحبه حفيدته عشتار، والتي -رغم صغرها- فإنّ روحها موغلة في القدم كما يقول عنها جدّها، يتّجه الإثنان نحو مكان يلتقي فيه -كل 30 عاما - القادمون من مختلف الأصقاع لممارسة الرقص والغناء، وهما الوسيلة المثلى لتحييد جَيَشَان الروح الداخلي لتسكن في حضرة الإله. وعلاوة على هذه الأفلام، برمج القائمون على هذه التظاهرة فيلمي''مجنون ليلى'' للطيب الوحيشى و''سراب'' للمخرج عبد الحفيظ بوعصيدة، إلى جانب مجموعة من الأفلام الوثائقية القصيرة كفيلم ''الكتاب''، ''الزيتونة في قلب تونس''، ''رباط الساقية''، ''جامع عقبة بن نافع رباط'' و''المولد''. وسيكون للمسرح التونسي حضور بتلمسان، من خلال عرض مسرحية ''رسالة إلى أمي'' من إخراج صالح الفالح، تمثيل نورهان بوزيان، عايدة بالسمرة، نوفل البحري، ماهر العواشري ومحمد شعبان. كما ستخصّص للشعر أمسيتان بمشاركة الشاعرين التونسيين جمال الصليعى وخالد الوغلاني، وللمحاضرات حضور متميّز من خلال مداخلات يقدّمها ثلّة من الأساتذة الجامعيين، من بينهم نجوى القسنطيني التي تقدّم ''سلطة الكلمة..سلطة الحياة، من ملامح الثقافة والإبداع في تونس''، جمال دراويل مدير مجلة ''الحياة الثقافية'' الذي سيتحدّث عن ''الحرية لدى رواد النهضة الفكرية بتونس''. وفيما يستعرض الأستاذ محمد عبد العظيم ''ثورة 14 جانفي والإستحقاق الثقافي''، ستخوض الأستاذة رجاء العودي، مديرة المركز الوطني لفنون الخط التي في''إضاءات حول الخطّ العربي بتونس". ليالي تلمسان، ستؤثّثها خلال هذه الأيام الموسيقى التونسية ممثلة في فرقتين، هي فرقة ''السلام'' للشيخ محمد بالحاج علي ومجموعة زهرة الأجنف، وهما عرضان يحتفيان بالأغنية التراثية، والمعروف عن زهرة الأجنف امتلاكها طاقات صوتية كبيرة قادرة على أداء مختلف الأنماط الموسيقية، حيث تعيد المستمعين إلى زمن الطرب الأصيل حيث الكلمة الصادقة واللحن الشّجي، وهي نتيجة اجتهادها المتواصل وبحثها الدؤوب من أجل تأسيس طابع موسيقي خاص بها، بعيدا عن التقليد. وتقوم الكثير من أغاني زهرة الأجنف على تركيبة غنائية بسيطة، أو قالب تقليدي يتكوّن من''مذهب وقفلة''، غير أنّ الكثير منها يتضمّن أيضا خليطا عجيبا من النغمات المرتجلة في بنيتها، كما أنّ أسلوبها في أداء النصوص الشعرية، وهي شاعرة أيضا، تكتب نصوصا غنائية عالية الجودة لا يعرف حدودا للتنوّع، ويشمل العديد من الأنماط والأشكال الموسيقية الإقليمية المشهورة بها منطقة ''قفصة'' في الجنوب التونسي، حيث مسقط رأسها والمتأثرة بالموسيقى الإفريقية إلى حدّ بعيد.