في الذكرى الرابعة والخمسين لاغتيال المناضل موريس أودان، عرض أوّل أمس بالسينماتيك المركزية الفيلم الوثائقي ''موريس أودان، الاختفاء'' للمخرج الفرنسي فرانسوا دوميرلياك، وكان مناسبة للحديث عن الأساليب القمعية وكذا التعذيب التي تبنّتها فرنسا الإستعمارية، ورفضت لسنوات الإعتراف بفضاعتها وهمجيّتها. ورغم غيابه عن الحدث لظروف عائلية ومهنية قاهرة، إلاّ أنّ المخرج الفرنسي أبى إلاّ أن يبعث برسالة للجمهور الجزائري قرأها الأستاذ محمد ربّاح (أحد تلامذة الدكتور موريس أودان)، وعبّر فيها عن فرحته بهذه المبادرة وتمنى أن يلقى عمله الوثائقي هذا كلّ القبول والإرتياح لدى الجمهور الجزائري، وأضاف ''هذا العمل موجّه لذاكرة كلّ من حطّموا جدران الماضي من أجل الحفاظ على الذاكة''. "موريس أودان، الاختفاء'' أعاد في ساعة وسبع دقائق مسار اختفاء المناضل الفرنسي من أجل القضية الجزائرية الدكتور أودان في جوان ,1957 وتوقّف عن أهمّ المحطات التي ميّزت قضية اختفائه بعد اعتقاله من قبل القوات الفرنسية، وكذا مختلف الروايات الفرنسية حول اختفائه بداية بهروبه، عند تحويله من مركز التصنيف بالأبيار نحو مصالح الشرطة القضائية الفرنسية. واستهل العمل بالشهادة المؤثّرة لأرملة أودان السيدة جوزيت، حيث تحدّثت عن ظروف لقائها بموريس في الجزائر، فقالت بأنّها ''مدينة الضوء والشمس والبحر وكلّ ما يجعل المرء سعيدا''، وأضافت ''زوجي لم يكن إرهابيا ولم يساعد على قتل أحد، وما لفّق له من تهم يندرج في العمل الدعائي والتحريضي لأجهزة الإعلام الفرنسية''، لتتوالى بعد ذلك شهادات عدد ممن عايشوا أو عرفوا، وكانت له علاقة سواء مباشرة أو غير مباشرة بموريس أودان وقضية اختفائه من مجاهدين، مناضلين جزائريين، محامي جبهة التحرير الوطني، مؤرّخين وباحثين على غرار هنري علاق، عبد المجيد عزي، جودي اتومي، محمد حربي، بيار برون، جول بوركر، ألبير نالي، جاك إيمارك، روبر بادنتر، نيكول دريفوس وغيرهم من الذين ألقوا بدلوهم في حيثيات هذه القضية. اعتمد المخرج فرنسوا دمرلياك على أبحاث المؤرخ الفرنسي بيار فيدال ناكي، الذي وجّه في أعماله التاريخية اتّهاما صريحا للسلطة الحاكمة آنذاك بقتل موريس أودان، وكشف أنه قتل خلال جلسة تعذيب بعد أن اختطف يوم 11 جوان1957 من بيته، وأكّد أنّ النقيب شاربونيي خنق موريس أودان إلى غاية الموت، بعد حالة هستريا تملّكته، لتحاول بعد ذلك السلطات الفرنسية العسكرية منها والسياسية تأكيد هروب أودان لإبعاد الشبهات عن تورّطها في اختفائه. الفيلم الوثائقي الذي حضره عدد كبير من المهتمين، تحدّث عن التعذيب والأساليب التي استعملتها فرنسا لقمع الجزائريين وعاد بالتاريخ إلى السنوات الأولى للإحتلال، وتنامي الوعي الوطني في أوساط الجزائريين، علاوة على تبني فرنسا لسياسة الأرض المحروقة والقمع والتنكيل والإغتصاب، وكذا التعذيب الهمجي الذي طال الكثيرين من أمثال أودان، الذي تشرّب بعدالة القضية الجزائرية. واستعرض الفيلم العديد من الفرضيات المتعلّقة بطريقة اغتيال موريس أودان ومكان تواجد جثته، ويظهر كيف قامت المخابرات الفرنسية بإخفاء جثته كونه فرنسيا، وكيف أنّ التحقيقات التي باشرت فيها فرنسا حول القضية لم تفض إلى نتيجة، كون بعض الأطراف التي تحن للماضي الإستعماري تخاف من اكتشاف فضيحة أنّ المخابرات الفرنسية قتلته، لأنه ساند الثورة الجزائرية. كما يتحدّث هذا العمل الوثائقي عن مساعي السيدة أودان لمعرفة مكان تواجد جثة زوجها وإحقاق العدالة والإعتراف بالجريمة التي اقترفتها فرنسا الإستعمارية، كما عرّج على رسالتها الأخيرة المفتوحة للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، حيث أنّها لا تطالب بمحاكمة الذين عذّبوا زوجها وإنّما بالإعتراف بالوقائع كما هي، كما رفضت ابنته السيدة ميشيل أودان قبول أي تكريم من السلطات الفرنسية، قبل أن يتم الكشف عن حقيقة المصير الذي لاقاه والدها، بعد شهر واحد من ميلادها عام.1957