شكّلت الأفاق المستقبلية والنظرة الاستشرافية للجزائر من الناحية الاقتصادية والسياسية والقضائية إلى غاية 2031 محور الندوة الفكرية التي احتضنها، أمس، مركز ''الشعب'' للدراسات الاستراتيجية، حيث أجمع الخبراء السياسيون والاقتصاديون الذين نشطوا الندوة على ضرورة تبني إرادة سياسية حقيقية لمواكبة التحديات المستقبلية المحتملة في ميادين السياسة، الاقتصاد والقضاء على مدى العشرين سنة القادمة. وعرفت الندوة التي حملت عنوان 5 جويلية 2011- 5 جويلية 2031 تزامنا مع إحياء الذكرى ال49 للاحتفالات المخلدة لعيدي الاستقلال والشباب، تقديم مداخلات قيّمة حول مدى قدرة الجزائر على استشراف مستقبلها الاقتصادي والسياسي والقضائي في آفاق ,2031 حيث قدم الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بجامعة الجزائر السيد بشير مصيطفى طرحا اقتصاديا واقعيا يتناول بالخصوص وزن الاقتصاد الوطني على المستويين الإقليمي والدولي إلى جانب تحليل وضعية السوق الجزائرية من خلال السلع والخدمات والعمل والنقد، مشيرا في السياق إلى وجهة الجزائر من الاتجاهات العالمية للاقتصاد إلى غاية سنة 2100 كأقصى حد. وأكد في إطار نظرته الاستشرافية حول اقتصاد الجزائر أن القرن ال21 يحمل ثلاثة أنواع من الاقتصاديات ينبغي على الجزائر وبلدان العالم الثالث بصفة عامة الانخراط فيها بصفة كلية، ويتعلق الأمر بالاقتصاد الرقمي المبني على الدفع الالكتروني والتجارة الإلكترونية..، مشيرا إلى أهمية مسايرة الهيئات والمؤسسات المعنية لهذه الطفرة الاقتصادية الرقمية لتحقيق ما يسمى بالنمو المتسارع للاقتصاد. كما أضاف السيد مصيطفى أن حكومات هذه الدول مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالانخراط في هذا التوجه الاقتصادي الجديد وهذا من خلال استغلال مواردها المحلية وضمان أسواقها الخارجية، حتى تتمكن -حسبه- من التحرر من التبعية للدول الأوربية المتقدمة. واقترح الخبير الاقتصادي في ختام مداخلته، استراتيجية اقتصادية طويلة المدى للنهوض بالاقتصاد الوطني تصل إلى حدود الأربعين سنة وتنقسم الى أربع عشريات، مفسّرا أن العشرية الأولى يتركز العمل فيها على منع استيراد كل المنتجات التي تنتج محليا بهدف تخفيض قيمة الواردات من 40 مليار دولار سنويا سنة 2010 إلى حدود 25 مليار دولار. أما العشرية الثانية فتتركز -حسب السيد مصيطفى- على تكثيف المنتجات الصناعية الواسعة التصدير، ثم تليها عشرية التوجه نحو توظيف التكنولوجيا المتطورة للحفاظ على وتيرة الإنتاج وتحسينه. لتأتي المرحلة الأخيرة وهي التوجه نحو تصدير رأس المال وإلغاء كل العراقيل التي تواجه الاستثمار. ومن جهة أخرى، دعا المحاضر إلى استحداث وزارة خاصة بالاقتصاد يقع على عاتقها تقييم السياسات الاقتصادية واستشراف القطاع وهذا من خلال إعداد الدراسات والبحوث الميدانية بهدف تكوين منظومة اقتصادية متينة قادرة على الصمود في وجه التحديات المستقبلية. وبدوره ومن الجانب السياسي، قدم الدكتور سليم قلالة أستاذ كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر وخبير في الدراسات الاستشرافية مقاربة شخصية تعكس واقع النظام السياسي بالجزائر وبعض الدول العربية، نافيا بذلك وجود أية دراسة عن مستقبل النظام السياسي الجزائري ماعدا بعض الأطروحات الجامعية والدراسات المتطورة في مجال الاستشراف. وأكد الدكتور قلالة أن هناك مستويات عديدة لأشكال نظام الحكم متوقعة بحكم نوع التهديد القادم على هذه الأنظمة من الجانب السياسي وحتى الاقتصادي، موضحا أن النظام السياسي المتوقع خلال الثلاثين سنة القادمة والمرشحة للبقاء أكبر مدة ممكنة يتوجه أكثر نحو النظام ذي العلاقات الشبكية القادر على التأقلم مع مختلف التهديدات والمستجدات. وهذا على خلاف الأنظمة السياسية ذات النظام الهرمي التي لا تصمد أكثر من 20 سنة. كما قال بخصوص مستقبل الديمقراطية أن الديمقراطيات المباشرة على المستويات البلدية تبقى المجدية في غالب الأحيان كما هو الحال في أمريكا وغالبية دول أوروبا، مع احتمال زوال الأحزاب الكلاسيكية وظهور تنظيمات سياسية تواكب هذا النوع من الديمقراطيات. وقال الدكتور قلالة بخصوص طبيعة التهديدات المستقبلية أن موضوع الإرهاب معرض للزوال شيئا فشيئا من قاموس الأخطار الأمنية الكبرى المواجهة للحكومات والدول ليفتح المجال لتهديدات أخطر من ذلك والمتعلقة أساسا بالتهديدات الآتية عن طريق التأثير العقلي والنفسي على الأفراد والشعوب. داعيا في الأخير إلى ضرورة تعميم الدراسات الاستشرافية ونشرها بشكل يسمح للمعنيين من رسم استراتيجية سياسية واقتصادية واضحة المعالم تحسبا لمستجدات المستقبل. وفي سياق آخر، تطرقت المحامية والناشطة الحقوقية السيدة مونية مسلم إلى واقع قطاع العدالة وآفاقها، داعية إلى ضرورة مواصلة الجهود من أجل تحقيق استقلالية القضاء وهذا بهدف الوصول إلى تكريس حقيقي لدولة الحق والقانون والعدالة الاجتماعية. كما قالت المحامية أنه يستحيل النهوض بواقع الحياة السياسية والاقتصادية في ظل غياب استقلالية العدالة والقضاء بصفة عامة التي تمثل قوة الدولة وهيبتها.