وجدت الطبقة السياسية الفرنسية نفسها مقحمة في تطورات الحرب الأهلية في ليبيا أربعة أشهر بعد قرار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي التدخل عسكريا في هذا البلد بهدف الإطاحة بنظامه لصالح معارضة مسلحة كانت باريس أول الدول المعترفة بها. وسيكون الجدل حادا في الجمعية الوطنية يوم غد بين مختلف الأحزاب الفرنسية المؤيدة والمعارضة للمقامرة الفرنسية في ليبيا والتي أخطأت كل الحسابات في توقع مدة حسمها وتاه الرئيس نيكولا ساركوزي في مقاربته عندما سارع إلى فرض منطقة حظر جوي على ليبيا بدعوى حماية المدنيين الليبيين. وهي الحسابات التي أخلطتها القوات الموالية للنظام الليبي التي صمدت طيلة هذه المدة وجعلت كل الناتو يراجع حساباته في حرب أقحم نفسه فيها ولم يتمكن من الإفلات من قبضتها. وينتظر أن يحسم نواب الجمعية الوطنية الفرنسية في نهاية مناقشتهم لهذه المعضلة ما إذا كانوا يؤشرون للحكومة الفرنسية بمواصلة مغامرتها أم أنهم سيقفون في وجه الرئيس ساركوزي لحثه على الانسحاب منها أو البحث عن مخارج سلمية من متاهتها. وإذا كانت هذه المناقشات جاءت تنفيذا لبنود الدستور الفرنسي الذي نص في التعديلات المدخلة عليه سنة 2008 على أن كل عملية عسكرية في الخارج يجب أن تخضع لنقاش برلماني في حال عدم الانتهاء منها في مدة أربعة أشهر فإنها جاءت لتؤكد أن الساحة ا لفرنسية بدأت تضيق من حرب خاسرة ولا توجد أية مؤشرات لقرب موعد انتهائها. وإذا كان تأييد النواب الفرنسيين لمسألة مواصلة التدخل الفرنسي في هذه الحرب أمرا مؤكدا بالنظر إلى تأييد نواب الاتحاد من اجل الحركة الشعبية الذي يقوده الرئيس ساركوزي والحزب الاشتراكي المعارض للتدخل العسكري للإطاحة بنظام العقيد الليبي معمر القذافي الا أن ذلك لن يمنع من القول أن الطبقة السياسية الفرنسية دخلت الآن مرحلة الشك ولم تعد تعرف متى تتمكن طائرات حلف ''الناتو'' من الإطاحة بنظام العقيد القذافي وطريقة تحقيق ذلك. وهو مأزق حقيقي جعل الجنرال الفرنسي فانسون ديسبورت المدير السابق للمدرسة الحربية الفرنسية يؤكد على ضرورة إيجاد حل توافقي مع السلطات الليبية لإنهاء حالة الحرب القائمة في ليبيا منذ منتصف فيفري الماضي. وقال في حديث لإحدى الصحف الفرنسية أمس وبكثير من الانتقادات انه لا يمكن الانتظار أكثر مما انتظرنا لمعرفة متى يسقط نظام العقيد الليبي بما يتعين علينا البحث عن سبل للتفاوض معه من اجل إنهاء حالة الحرب القائمة في بلاده. وهي القناعة ربما التي تسود الرأي العام الفرنسي الذي لا يرى أي منفعة في إقحام طائرات فرنسية في عملية كلفته المزيد من الأموال الطائلة والتي يدفع الشعب الفرنسي نفقاتها دون أن يعرف متى تنتهي ولا نتيجتها.