''يا حسراه على رمضان تع بكري'' و''رمضان لي يروح خير من لي يجي'' هما الجملتان اللتان أصبحنا نسمع آباءنا وأجدادنا يرددونها تعبيرا منهم عن ''حلاوة'' رمضان المفقودة وعن نكهته التي أصبحت تعرف اضمحلالا مع مرور الزمن بزوال تلك العادات التي كانت تميز أيام الشهر الكريم والتي وقفت ''المساء'' على بعض منها. ومن بين تلك العادات التي يمكن القول عنها أنها قد عرفت الزوال -أو في طريقها نحو الزوال- في أوساط العائلات الجزائرية هو طبق ''الحريرة القارسة''، ذاك الذي كانت تعده ربات البيوت بتحضير عجين يضفن إليه خميرة ويتركنه ليوم الغد حتى يحضرن منه طبق شوربة حامضة المذاق ليكلفن أبناءهن بتوزيعه على الجيران لتذوقه بضع دقائق قبل سماع ضربات المدفع المعلنة عن وقت الإفطار وهو ما قالته لنا السيدة ''فاطمة''، مضيفة أنها عملية تتكلف بها النسوة طيلة شهر رمضان الكريم بمجرد توليها مبادرة تحضيرها في اليوم الأول فالجيران وخاصة العجائز والشيوخ يعتمدون عليها في ذلك فهو طبق يحبه الكبار وينفر منه الصغار بسبب مذاقه. وشوربة الدويدة التي كانت تجتمع النساء في إعدادها من دقيق وبيض يجفف ليصنعن منها بأناملهن خيوطا دقيقة من العجين الطازج في الأيام الأخيرة من شهر شعبان، حيث تقول السيدة خيرة إن خيوط ''الدويدة'' تلك كانت أساس شوربة رمضان آنذاك فالعائلات الجزائرية لم تكن تعرف أكياس ''الشعيرات'' تلك والتي تباع اليوم في جميع محلات المواد الغذائية، مضيفة أن الفريك و''موضة'' شوربته لم يكن لها وجود في ذاك الزمان وحسب رأيها فإن ''أفول'' هذه العادة -إن صح التعبير- يرجع إلى اعتماد نسوة اليوم، سواء تعلق الأمر بربات البيوت أو بالنساء العاملات أو حتى بالبنات الماكثات في البيت، حيث يفضلن ما يباع في السوق أو''الجاهز للطبخ'' والإنفاق في ذلك حتى لا يكون هناك أي إزعاج لينشغلن بأمور أخرى أكثر أهمية و''للأسف''، تضيف ذات المتحدثة، فإن نسوة اليوم لا يعرفن ما يفوتنه في عادة الاجتماع تلك، فهي تقول إن عدم الاكتراث بتلك العادات هو سبب زوال ''حلاوة رمضان''. وتتذكر السيدة ''خديجة'' تلك العادة التي كانت منتشرة في الأحياء الشعبية، خاصة في شهر رمضان والتي كانت النسوة يتبادلن فيها الأطباق المعدة من قبلهن، فما كان باب يطرق إلا ويقابل صاحبه بطبق يضاف على مائدته، وتضيف أن ذريعة ''تذويق'' الجار، خاصة أن تداعي طبخ طعام زائد كان يختفي وراءه مغزى المساعدة والرغبة في إعانة من كان يعتبر بالقريب مع العناية بعدم التسبب في الإحراج فاليوم وحسب أقوال المتحدثة لاتزال هذه العادة قائمة ولاتزال الرغبة في المساعدة لكن الشخص الذي يتلقاها أصبح يشعر أكثر بفقره، مضيفة أن في تلك الأيام لم تكن تلك القدرة على التمييز بين المحتاج ومن هو أغنى منه. ومن العادات الأخرى التي كانت تميز معظم العائلات الجزائرية في شهر رمضان هي جلوس الرجال حول مائدة خاصة بهم والنساء حول مائدة خاصة بهن، فالضرورة كانت تقتضي التفريق بين العنصر النسوي والرجالي اعتقادا أن في هذا الأمر حفاظا على الحياء، كما تقول خالتي ''موني'' وتلك الحرمة كان لابد من احترامها من خلال ذلك وترجع ذات المتحدثة هذه العادة إلى ضرورة مكافأة الرجال على عملهم اليومي الشاق بمنحهم فرصة من الراحة حتى لا يزعجهم تلك الفوضى التي قد يحدثها الأطفال، حيث تقول إن النسوة يقمن بالتكفل بالصغار وإطعامهم ثم يجتمعن حول المائدة ليتناولن بدورهن وجبة الإفطار مع تواصل الحديث والدردشة بينهن. إلا أن هذه العادة لم يكن معمولا بها في جميع العائلات وهو حال السيد ''احمد'' الذي كان يفطر على نفس المائدة التي كانت تجمع جميع أفراد عائلته ولأن أباه كان قد استشهد فإنه كان يجتمع مع أخواته الأربع وأمه. وهوالحال أيضا بالنسبة للسيد ''علي'' الذي لم يشهد هذا التفريق على المائدة في عائلته، حيث يقول إنه هو الآخر يتيم الأب ورغم كونه آنذاك ''رجل'' المنزل فإن هذا لم يمنعه من الاجتماع معهم إذ كان يتعجب من أرباب البيوت الذين كانت تخصص لهم مائدة للإفطار لوحدهم ولعل اختلاطه بالأوروبيين ومعاشرته لهم هي التي جعلته ينفر من عادة التفريق تلك.وتقول خالتي ''موني'' إن هذه العادة ورغم تمييزها بين الجنسين إلا أنها تعتبر من نكهة رمضان في تلك الأيام، حيث ترجع سبب زوالها إلى رغبة النساء وخاصة العروس في أن يكون لها بيتها الخاص تجتمع فيه مع عائلتها الصغيرة لا مع عائلة الزوج ولرغبة تقليد الغرب مع تغيير الأثاث وعدم الاعتماد على تلك المائدة أو''الميدة'' الدائرية الشكل التي لم تكن لتكفي جميع أفراد العائلة.دون أن ننسى تلك السهرات الرمضانية التي روت لنا عنها السيدة ''نجية'' والتي كانت تميزها تجمع النسوة عند الجيران ولو في وسط الدار والتي كانت البوقالات منشط أجوائها، حيث كانت النسوة من مختلف الأعمار يجتمعن من أجلها، خاصة البنات اللواتي ينتظرن من خلالها ذلك الفال الذي تحمله تلك الحكم والمأثورات الشعبية وتلك النظرة التفاؤلية التي تحملها في طياتها مع نغم الدربوكة الذي كان يرافقها بتلك الأغاني الجزائرية الشعبية القديمة لتزين السهرة وتعطيها نكهة طيبة-.