تمّ أمس بالمكتبة الوطنية الجزائرية الإعلان عن إنشاء جائزة سنوية تعنى بتحقيق المخطوطات تحمل اسم العلاّمة الجزائري "محمّد بن شنب" تكون مفتوحة أمام الباحثين الجزائريين والأجانب الذين يحقّقون في مخطوطات تتحدّث عن الجزائر، وذلك بمناسبة تدشين "الخزانة الجزائرية "محمّد بن شنب" بالمكتبة الوطنية الجزائرية· تدشين "الخزانة الجزائرية" كان بحضور جمع من المثقفين والمهتمين بالكتاب يتقدّمهم رئيس الحكومة السيد عبد العزيز بلخادم، ورئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الشيخ عبد الرحمن شيبان، واعتبر السيد بلخادم هذه المناسبة فرصة لتأكيد اعتزاز الجزائر بعلمائها وأبنائها، وقال "محمّد بن شنب ترك أزيد من 60 مؤلّفا، وكان يتحدّث عشر لغات فأثرى المكتبة الجزائرية والعربية، والعلامة محمّد بن شنب جدير بأن تفخر به الجزائر وأن تعرّف به أكثر"· الدكتور أمين الزاوي المدير العام للمكتبة الوطنية الجزائرية أشار إلى أنّ عظمة الفضاءات في رمزيتها ودلالاتها، والعلاّمة محمّد بن شنب رمز كبير وذاكرة كبرى وحلم أكبر، فهو غيث من فيض الجزائر عرف العلوم ظاهرها وباطنها وركنا من أركان العلم الصحيح وعلما من أعلام التاريخ الصحيح ومثالا مجسّما من الأخلاق الرفيعة· وأضاف الزاوي بأنّ "الخزانة الجزائرية "محمّد بن شنب" فخر لكلّ باحث وكاتب يريد الكتابة والإطّلاع على كلّ ما يكتبه الجزائري في وعن الجزائر في التاريخ والأدب ومختلف حقول المعرفة بكلّ اللغات قبل أن يؤكّد أن: "هذا الفضاء أردناه ذاكرة الجزائر الثقافية ومتحفا حيّا للكتاب الجزائري، ومركز إحصاء موثوق وموثّق دون ديماغوجية وكذا صورة للجزائر في أعماقها وطموحها إضافة على كونه الطريق السيّار الحقيقي ضدّ كلّ فتنة وشقاق"· رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، الشيخ عبد الرحمن شيبان أوضح من جهته أنّ العلامة محمّد بن شنب نجم ساطع في سماء الجزائر وجبل في ثقافته وقوميّته وصاحب خصال كثيرة عدّد منها الشيخ شيبان الحرص على الحفاظ على قيم المجتمع الجزائري· "الخزّانة الجزائرية "محمّد بن شنب" فضاء مستقل داخل المكتبة الوطنية الجزائرية، ويقدّر رصيدها ب30 ألف عنوان من الإنتاج الجزائري المنشور منذ الاستقلال (1962) إلى يومنا هذا والمكتوب باللغات العربية، الأمازيغية، الفرنسية ولغات أجنبية أخرى موزّعة في رفوف مفتوحة حسب تصنيف "ديوي العشري" مرفق بفهرس بطاقي إضافي لمختلف المداخل (المدخل بالمؤلّف، المدخل بالعنوان، المدخل بالموضوع)، ويتولى تسيير الخزانة التي تتربّع على مساحة 1500 متر مربّع مجموعة من المكتبيين المختصين· وتعدّ مسألة جعل الكتب والمواد الأخرى غير الكتب أسهل منالا وأكثر فائدة للباحث نظرا لأهمية الرصيد باعتباره يخصّ كلّ ما يتعلّق بالجزائر لمؤلّفين جزائريين أو أجانب كتبوا عن الجزائر وكذا إطلاع الباحثين على الوثائق الموجودة وإمدادهم بالمعلومات المتخصّصة المناسبة لاحتياجاتهم من ناحية وتشجيعهم في إعداد البحوث والدراسات في المجالات المتّصلة بالجزائر، من بين أهداف إنشاء "الخزانة الجزائرية" وذلك إلى جانب إقامة وتوسيع علاقات التبادل بين المكتبة الوطنية (الخزانة الجزائرية) والمكتبات العربية والأجنبية لإثراء وتنمية الرصيد الفكري بكتب لمؤلّفين عرب أو أجانب كتبوا عن الجزائر وتوصيل الإنتاج الجزائري المعرفي إلى المكتبات ومراكز البحث العالمية وأيضا تشجيع المؤلّفين على إيداع كتبهم بالمكتبة الوطنية والعمل على توصيلها للنقاد والدارسين· وللتذكير فإنّ الدكتور محمّد بن شنب المولود يوم الثلاثاء 26 أكتوبر 1869 بمدينة المدية يعدّ من بين أعلام الجزائر الخالدين، ألحقه والده لما بلغ سنّ التمييز بالمدرسة القرآنية، فأخذ القرآن عن شيخه أحمد برماق ثمّ دخل المدرسة الابتدائية لتعلّم اللغة الفرنسية إلى أن حصل على شهادته فارتقى إلى المدرسة الثانوية فقرأ بها حتّى تشبّع بمعلوماتها فتخرّج منها محصّلا على مبادئ حسنة في علم الجغرافيا، التاريخ، اللّغة، الحكمة، الحساب والطبيعيات وغيرها وتربّت في نفسه ملكة الذوق العلمي فاشتاقت روحه للاستزادة من العلم والتمكّن منه· التحق بن شنب عام 1886 بمدرسة المعلمين ببوزريعة وتخرّج منها بعد عامين كأستاذ في اللغة الفرنسية، وفي أكتوبر 1888 عيّن معلّما بغرب المدية، وعام 1892 عيّن بمكتب الشيخ إبراهيم الفاتح بالجزائر، وكان تواجده بها فرصة لتوسيع تكوينه وتطوير معارفه حيث دخل المدرسة العليا وتعلّم بها اللغتين الإيطالية والعبرية، لينضمّ عام 1896 إلى سلك طلبة البكالوريا وتوجّه في نفس السنة لتعلّم اللغات الاسبانية، الألمانية، اللاتينية، الفارسية والتركية، وفي 19 يناير 1901 عيّن مدرّسا بمدرسة "الثعالبية" بالعاصمة، وانتخب عام 1902 عضوا في المجمع العلمي العربي بدمشق الذي كان يشرف عليه المؤرّخ والأديب السوري محمد كرد علي· وبدرجة امتياز تحصّل بن شنب عام 1922 على شهادة الدكتوراه في الأدب العربي وأصبح بذلك أوّل جزائري متحصّل على الدكتوراه، وفي نفس السنة تحصّل على وسام "جوقة الشرف"، وعام 1924 أصبح أستاذا رسميا بكلية الآداب الكبرى بالعاصمة· توفي العلامة محمّد بن شنب يوم الثلاثاء 06 فبراير 1929 إثر مرض ألزمه الفراش ودفن بمقبرة "سيدي عبد الرحمن الثعالبي"، تاركا وراءه العديد من المؤلّفات وشبكة علاقات متميّزة، إذ ربطته علاقات مع كلّ من أحمد تيمور، كراتشوفسكي، باسي روني، محمّد كرد علي، فيكتور هيجو وليفي بروفنسال، وألّف عدّة كتب ومقالات عن المغاربة والفقه المالكي، مفاهيم التربية الإسلامية، رحلة الشيخ بن مسايب من تلمسان إلى مكة، رسالة الغزالي حول تربية الأطفال، وكتاب حول "القواعد الضرورية لدراسة العروض وأوزان الشعر"، "ديوان أبي دلامة"، تاريخ صقلية" وغيرها من المصنّفات·