استضافت أول أمس الجمعية الثقافية الجاحظية في إطار نشاطها الأسبوعي، الأستاذ أحمد بناسي. الذي ألقى محاضرة بعنوان ''من انتفاضة 08 ماي 1945 إلى ثورة أول نوفمبر ''1954 بحضور جمع من المثقفين والإعلاميين. في بداية المحاضرة سجل الأستاذ أحمد بناسي ملاحظة حول أحداث ومجازر ال 08 ماي ,1945 وأكد بأن هذه الأحداث هي انتفاضة شعبية شاملة وأنه من الخطأ أن نطلق عليها اسم أحداث أو مجازر، حيث قال '' إن بعض الكتاب والمؤرخين يستعملون كلمة المجزرة أو الحوادث كعنوان لما وقع في 08 ماي ,1945 لكنني شخصيا أفضل استعمال مصطلح الانتفاضة لأنه يحمل في طياته بعدا وطنيا شاملا''. ويرى الأستاذ أحمد بناسي أن من خصائص الانتفاضة، الفجائية والتلقائية دون تخطيط دقيق مسبق. وحول مؤسس جمعية العلماء المسلمين الشيخ عبد الحميد بن باديس (1889 - 1940)، يؤكد المحاضر أن الشيخ بن باديس أسس الجمعية في ال05 ماي 1931 بهدف تكوين المواطن الجزائري تكوينا سليما عن طريق التربية والتعليم لتصحيح عقيدته وإنارة عقله. كما تطرق المحاضر إلى رد الشيخ عبد الحميد بن باديس على المرحوم فرحات عباس في مقولته الشهيرة ''سألت الأحياء والأموات والمقابر والتاريخ عن الأمة الجزائرية فلم أعثر لها على أثر''، حين أجابه الأمة الجزائرية موجودة ومتكونة كما تكونت الأمم. واستعرض أحمد بناسي وقائع المؤتمر الإسلامي 1936 والوفد الذي انتدبه لتقديم مطالبه للحكومة الفرنسية. كما تطرق بناسي إلى لقاء الوفد بزعيم نجم شمال إفريقيا مصالي الحاج، الذي قضى معظم حياته مناضلا ومكافحا في السجون والمحاكم والمنافي وذلك نظرا لمطالبه السياسية الملحة على الاستقلال، وكذلك بخطبته الشهيرة في الملعب البلدي ''منيسيبال'' (20 أوت حاليا)، بعد أن التقى بالوفد الذي زار فرنسا وأعرب له عن معارضته واستيائه للمطالب التي جاء بها، والتي لا تتناسب مع رغبات الشعب الجزائري وطموحاته، وعندما عاد الوفد للجزائر وعقد تجمعا شعبيا في الملعب البلدي يوم 02 أوت 1936 ليقدم عرضا عن مهمته في فرنسا، وفي هذا الوقت بالذات نزل مصالي الحاج الى الجزائر واتجه مباشرة الى الملعب وطلب الكلمة وأخذ حفنة من التراب وقال كلمته المشهورة ''هذه الأرض لا تباع ولا تشترى''، مما جعل الشعب يحمل مصالي على الأكتاف وهو يردد تحيا الجزائر، وقد ألف شاعر الثورة حينها نشيده المعروف في 17 نوفمبر 1936 ''فداء الجزائر روحي ومالي''. كما استعرض الاستاذ أحمد بناسي الحياة الاجتماعية وما كان يعانيه الشعب الجزائري من فقر وجهل بعد مصادرة اراضيه وأملاكه واصدار قوانين تضعه في الدرجة الثانية بعد الأوروبيين واليهود. كما استعرض المحاضر الظروف الذي كان يعيشها الشعب الجزائري في الحرب العالمية الثانية، ليخلص إلى انتفاضة 08 ماي 1945 التي كانت عبارة عن رسالة موجهة الى الحلفاء تذكرهم بوعدهم بمساعدة الشعوب المستعمرة بالحرية والانعتاق. ويذكر المحاضر نتائج هذه الانتفاضة على المستوى الداخلي والخارجي، فمن الجانب الداخلي أفرزت جيلا جديدا هو الذي سيقود ثورة أول نوفمبر، بالإضافة الى ذلك انتشار تعاليم جمعية العلماء على نطاق واسع، كما تأكد لدى مناضلي حزب الشعب أن الكفاح السياسي وحده لم يعد يجدى نفعا. ويؤكد المحاضر في نهاية مداخلته، أن الدولة الفرنسية لا يمكن لها أن تقدم الاعتذار الى الدولة الجزائرية طواعية ما لم نكتب تاريخنا كتابة موضوعية وقدمناه للعالم، فإذا أنجزنا هذه المهمة فإن فرنسا لا تستطيع على الأقل تمجيد فترة من تاريخها الأسود في الجزائر. كما دعا الأستاذ بناسي إلى عدم مطالبة فرنسا بالتعويض، لأن التعويض في نظره خطأ سياسي فادح يتناقض مع الوظيفة التربوية للتاريخ، بل هو قتل لها، فأي قيمة تبقى لدماء شهدائنا وتضحياتهم إذا أخذنا عنها ثمنا، لقد قال مصالي الحاج '' هذه الارض لا تباع ولا تشترى'' وأنا أقول: ''إن دماء الشعوب في سبيل الحرية والانعتاق لا تعوض ولو بقناطير من الذهب''... وفسح المجال بعد ذلك للمناقشة حيث لم يتفق البعض مع الأستاذ أحمد بناسي بأن أحداث الثامن ماي جاءت تلقائية ومفاجئة من غير تنظيم ولا زعيم.