كانت المحطة الثانية التي وقفنا عندها، منزل المجاهدة محمدي فاطمة البالغة من العمر 81 سنة من قرية آيت سيد أعمر التي قدمت 22 شهيدا، والتي قدمت بدورها شهادات حية حول نشاطها إلى جانب زوجها الشهيد محمدي لعربي ووالده محمدي أرزقي الذي كان ضمن جماعة مصالي الحاج ''حركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية''، وقالت نا فاطمة أنها كانت تتولى عملية إخفاء المجاهدين، حيث قالت أن أهل زوجها قاموا بانجاز كازمة تمتد على أمتار، حيث قاموا بحفر بئر في نفس المكان وذلك لإبعاد الشكوك عنهم، وأنه وإن بلغ الأمر المستعمر عن الأشغال، سيدرك أننا نحفر بئرا بحثا عن الماء خاصة وأنه وفي تلك الفترة كانت هناك أزمة الماء، وأنه وبعد الانتهاء منها، كانت ملجأ للمجاهدين، حيث قالت: لقد قمت بغرسه بحقيبة قديمة من النعناع، وعندما يدخل المجاهدون إلى المخبأ أغطي المكان بالتراب وأضع الحقيبة وأحيطها بالتراب، ويبدو كأنه حقل صغير، ولم يَكتشف أمره المستعمر لعدة سنوات. وأضافت: وبعد هجوم والد زوجي وجماعة من المجاهدين على ثكنة المستعمر ببوزقان، أثار ذلك حفيظة فرنسا التي أصبحت تقتحم المنزل في كل وقت على أمل أن تلقي القبض عليه، ولا تغادره إلا بعد أن تقوم بتحطيم وتخريب كل ما تجده، وتم إلقاء القبض على المجاهد أرزقي محمدي وإيداعه السجن بالبرواقية لمدة 8 أشهر، وبعد خروجه من السجن اِلتحقق مجددا بالجبل، حيث كلف بمهمة السفر إلى فرنسا لتوعية المغتربين هناك، ليعود بعد 4 أشهر، غير أنه مرت 6 أشهر ولم يظهر أي خبر عنه، ومع مرور الوقت تبين أنه وضع في السجن بفرنسا. ولما عاد إلى أرض الوطن، واصل المجاهد النضال إلى أن علمت فرنسا بمكانه، حيث قامت بقتله داخل كازمة واقعة تحت منزله، حيث حاصرت المكان في الصباح الباكر ولم تتمكن من القضاء عليه إلى بعد المغرب، وكان معه كل من الشهيد محمد السعيد أرزقي، أعمر آث علي، يحيوي سعيد، أرزقي أجناد وغيرهم، واستشهد برصاص فرنسا. قام الحركي بضرب الشهيد أرزقي على رأسه بحجر للتأكد من وفاته نهائيا. ومن ذلك الوقت شددت فرنسا حراستها على المنزل ، وبعد استشهاد زوجي بسبعة أيام، ألقي علي القبض رفقة جماعة من المجاهدات منهن؛ زهوة آث زبيب، زعتوت خديجة، تسعديت أث عمارة، جقجيقة أكلي وغيرهن، وتم اقتيادنا إلى ثكنة بوزقان أين تعرضنا للضرب المبرح، وتم وضع على ظهر كل واحدة منا رقم مع تكبيل وربط أيدينا وأرجلنا، ويقوم أحد الجنود باقتياد الواحدة تلو الأخرى إلى الغرفة، حيث يتعرضن للتعذيب بالماء والصابون والكهرباء، وقالت أنه تم تعذيب امرأتين، كنت أسمع صراخهن، توفيتا فيما بعد. وخلالها، بلغ الأمر المجاهدين أنه من بين الموقوفات زوجة إبن الشهيد محمدي أرزقي، ولما جاء دوري، قام ''حركي'' بفك قيود يدي وشرع في فك قيود الأرجل لاقتيادي إلى مكان التعذيب، جاء أثناءها أحد الجنود وضرب الحركي وتحدث معه، وبعدما أعاد ربطي مرة أخرى، خرج من الغرفة وتبين فيما بعد أن المجاهدين هاجموا المكان وتم فك قيودنا وتمكنا من الفرار. وأضافت: لم أتمكن من العودة إلى منزلي، حيث قامت فرنسا بهدمه كلية. وفي الأخير، أشارت نا فاطمة أن ثورة نوفمبر شهدت سقوط أرواح رجال ونساء، فبفضل هذه المحطة التاريخية الهامة تخلصت الجزائر من الهيمنة الاستعمارية وتحررت، مذكرة بأن المرأة لعبت دورا كبيرا. وأشارت في هذا الصدد إلى الاستفتاء الذي أرادت فرنسا إجراءه حول رأي الشعب فيما يخص بقاء فرنسا أو رحليها، أن النساء هن اللواتي أفشلن مخططاتها والاستفتاء، وكانت من بينهن المدعوة ''إيجري زوينة'' التي أُلقي عليها القبض وقامت فرنسا بقص شعرها كعقوبة لها.