أدلى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة بحديث لصحيفة" العرب" القطرية فيما يلي نصه الكامل: هل لكم أن تفيدونا بلمحة حول واقع العلاقات الجزائرية القطرية والتنسيق الجزائري القطري في القضايا العربية والإسلامية والدولية ؟ العلاقات الجزائرية القطرية ممتازة متميزة على المستوى السياسي· إنها علاقات يطبعها الاحترام والتقدير وتبادل الزيارات على أعلى المستويات· والبلدان يعملان سويا على دفعها قدما وعلى تعميق التشاور والتنسيق بينهما حول كافة القضايا ذات الاهتمام المشترك· أما علاقات التعاون الاقتصادي فإنها لم ترق بعد إلى مستوى العلاقات السياسية· ومن ثمة فهناك حاجة ماسة إلى تفعيل ما سبق وأن رسا الاتفاق عليه خاصة في مجال الاستثمار والشراكة، وإلى تحريك اللجنة المشتركة التي لم تعقد سوى دورتين كانت آخرهما في سنة 2002 بالجزائر · أما فيما يخص القضايا العربية والإسلامية والدولية ذات الاهتمام المشترك فيمكن القول: إن هناك تطابقا في وجهات نظر البلدين حول أهمها· إن الجزائر لم يفتها التنويه في حينه بتلك الجهود الدبلوماسية التي بذلتها الشقيقة قطر في مجلس الأمن الأممي لما آلت إليها العضوية غير الدائمة سنتي 2006 - 2007 · فضلا عن ذلك إنها حيت الوساطات التي قامت بها قطر للمساعدة في حل بعض قضايا العالم العربي والإسلامي خاصة في فلسطين والعراق واليمن ولبنان· وهي ما انفكت من جانبها تدعم كل الجهود الخيرة الرامية إلى إيجاد التوافقات اللازمة لحل هذه الأزمات · ما قولكم عن الاستثمارات القطرية في الجزائر؟ أول ما يقال عن الاستثمارات القطرية في الجزائر هو إنها ضعيفة ولا تتناسب ومستوى العلاقات المتميزة القائمة بين البلدين ولا الإمكانات المتاحة نظرا لما توفره الجزائر من فرص استثمارية في ميادين شتى ولقدرات رجال الأعمال القطريين من حيث امتلاكهم لرؤوس الأموال وتحكمهم في أساليب التسيير العصرية وما يتبعها من استعمال للتكنولوجيات الحديثة على أوسع نطاق· وبلغة الأرقام سجلنا في سنة 2006 مشروعا استثماريا بقيمة 186 مليون دولار يساهم فيه مستثمرون من دولة قطر الشقيقة في مجال الخدمات· والأمر يتعلق بمركب متعدد الخدمات يشمل مركزا للأعمال وشققا فندقية ومركزا تجاريا بضاحية باب الزواربالجزائر العاصمة· كما سجلنا سنة 2007 مشروعا بادر به سمو الشيخ فيصل بقيمة 48 مليون دولار يخص إنشاء مركز للأعمال بالحامة بالعاصمة كذلك· وفي نفس السنة سجل مشروع آخر بقيمة 5،1 مليون دولار لتوسيع شبكة "ترست للتأمين"· كل هذه المشاريع على أهميتها لا ترقى إلى الدرجة التي تتناسب مع جودة العلاقات السياسية بين البلدين ومع وفرة الإمكانات المتاحة لدى رجال الأعمال القطريين· ما قولكم في التنسيق الجزائري القطري ضمن منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبيك)؟ انضمت دولة قطر إلى هذه المنظمة (أوبيك) سنة 1961 أي سنة واحدة بعد إنشائها، في حين أن التحاق الجزائر بها كان عام 1969· إن إنتاج البلدين مقارنة بإنتاج بقيمة أعضاء المنظمة متواضع نسبيا حيث إن الجزائر تنتج 1.4 مليون برميل يوميا في حين يبلغ إنتاج قطر 0.8 مليون برميل· ومن حيث هما منتجان متوسطان تمكن البلدان من القيام بدور متميز ضمن منظمة أوبيك في مجال الوساطة والبحث عن الحلول التوفيقية من أجل الحفاظ على انسجام المنظمة وفعاليتها· وقد تجلى ذلك في عدة مناسبات وبخاصة أثناء الفترات الصعبة التي مرت بها أوبك· والتنسيق هذا يبرز بصفة جلية عندما تتولى الجزائر أو قطر رئاسة المنظمة· وعلى سبيل المثال لا الحصر عندما اقترحت الجزائر في أكتوبر 2006 فكرة عقد ندوة وزارية غير عادية للأوبيك لمواجهة احتمالات انهيار الأسعار استجابت قطر وساندت الاقتراح الجزائري داعية المنظمة إلى عقد الاجتماع بالدوحة يوم 19 أكتوبر من نفس السنة· إن الجزائر وقطر تجمعهما ميزة على قدر كبير من الأهمية في دينامية أوبيك تتمثل في كون البلدين من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للغاز· إن التنسيق القائم بينهما ضمن أوبيك من أجل استقرار السوق البترولية تكون له أيضا انعكاسات إيجابية على صادراتهما من الغاز طالما أن مستوى سعر الغاز في السوق الدولية مرتبط بسعر البترول· لذلك فإن التنسيق والتشاور بين البلدين في إطار منظمة أوبيك يعود عليهما بالمنفعة على أكثر من صعيد· إن العلاقات الممتازة بين البلدين ضمن منظمة أوبيك، أدت إلى توسيع فضاءات التشاور بينهما بحيث شمل منظمات بترولية وطاقوية دولية عديدة من مثل المؤتمر العالمي للبترول الذي ستحتضن الدوحة اجتماعه القادم عام 2011 والمنتدى الدولي للطاقة الذي يتولى ترقية الحوار بين المنتجين والمستهلكين· وبطبيعة الحال، فإن التشاور بين البلدين دائم ومميز على مستوى قائديهما· لاسيما خلال الاجتماعات الدورية لرؤساء دول منظمة أوبيك· نود الآن أن تحدثونا عن المشاريع الاقتصادية الكبرى التي أطلقتموها· ما هو تقييمكم لها؟ الرد على سؤالكم يقتضي الانطلاق من البرنامج الخماسي 2005 - 2009 الذي يجري حاليا تنفيذه بالموازاة مع البرنامجين المخصصين للجنوب وللهضاب العليا· والغاية من الكل هي تطوير الهياكل القاعدية الاقتصادية منها والاجتماعية من أجل دعم النمو الاقتصادي وتعزيز قاعدة التنمية وتحقيق التوازن بين سائر أنحاء البلاد· رصد للبرامج العمومية المسجلة في الفترة الخماسية مخصص مالي يفوق اليوم 189 مليار دولار أمريكي بسعره الحالي· أما بقية المشاريع الكبرى إذا ما اعتمدنا مثلا مبلغ 150 مليون دولار كأدنى مقياس لكلفة المشروع الكبير فيبلغ عددها اليوم 83 مشروعا، تمثل في جملتها 35 % من مجموع رخص البرامج التي انطلقت في الفترة ما بين سنتي 2005 و2008 وتتوزع بين القطاعات بنسبة 43 % للسكك الحديدية و35 % للطرقات و15 % لمشاريع الري الكبرى و07 % لغيرها من القطاعات· وتجدر الإشارة إلى أن قائمة المشاريع الكبرى هذه لا تتضمن البرامج الهامة الجديدة للسكن (1255000 وحدة سكنية) والتعليم العالي( 520000 منصب بيداغوجي و500 374 سرير لإيواء الطلبة والطالبات) والطاقة (تزويد293721 مسكنا بالكهرباء و 994 263 مسكنا بالغاز الطبيعي) خلال الفترة الخماسية ( يتبع)· هناك من يعلل ضعف الاستثمارات العربية في الجزائر بوجود مشاكل تعترضها ما قولكم؟ إن الجزائر جاهزة للاستثمار ولديها إرادة صادقة للتطور والتقدم واستئناف ما تعطل إبان الأعوام الماضية لأسباب مختلفة· وإن الإرادة هذه أحدثت تغييرا جذريا في الذهنيات وفي التعامل مع المستثمرين وفي تهيئة الظروف والمناخ لقيام حركة استثمارية تساهم في التنمية التي تسعى الجزائر لتحقيقها في غضون الأعوام القليلة المقبلة· من أجل ذلك بادرت الجزائر بإجراءات عاجلة دعمت من خلالها المد الإصلاحي الذي انطلق في مطلع التسعينات وأردفته بإصلاحات إضافية لا سيما في مجال الإدارة والمال والاستثمار والعقار· شكل صدور العدة القانونية الجديدة الأرضية المثلى لتطوير حركة الاستثمار وإعطاء المزيد من الحوافز والتشجيعات وإزالة العوائق الإدارية التي تعترض المستثمر بصفة عامة والمستثمر العربي بصفة خاصة، بما في ذلك تلك المتعلقة بالعقار· وتجدر ملاحظة أن طبيعة بعض المشاريع التي يبادر بها أشقاؤنا العرب تصب في خانة التطوير العقاري على مستوى الجزائر العاصمة وتطرح بعض المشاكل فيما يخص توفير الرقع العقارية لإنجازها· وما عدا ذلك لا أعتقد أن المستثمرين العرب تواجههم عراقيل خاصة· وإن وجدت فنحن عازمون وماضون في القضاء عليها· إن الجزائر تفتح ذراعيها لهم وسيجدون فيها كل الدعم والتشجيع· وقد حان الوقت لإقامة مشاريع شراكة بيننا في أي مجال يرغبونه توفر الجزائر كمّا هائلا من فرص الاستثمار في قطاعات المال والبنى التحتية، وفي الصناعة والسياحة وقطاع الفلاحة وفي تقنيات الاتصالات والمعلوماتية، وفي مجالات الصيد البحري والسكن والعمران وغيرها من المجالات الحيوية التي تراهن عليها الجزائر وتعلق عليها آمالا عريضة· على سبيل المثال لا الحصر هناك أشقاء وهم مشكورون، يبادرون بالاستثمار وفي عداد هؤلاء شركات إماراتية· لكن نلاحظ أن مصر أصبحت أول مستثمر عربي في الجزائر وذلك في مجالات مختلفة من مثل الاتصالات والكوابل والحديد والصلب والإسمنت والأسمدة والمناجم والعمران وغير ذلك، مما يجعلنا نرتاح لهذه المبادرات أكثر من غيرها· ومما لا شك فيه أن الاستثمار هذا مجد ومربح للشركات المصرية ومفيد في نفس الوقت لتنمية الجزائر وتطويرها· في الواقع نحن لا نبحث على استثمار يكتفي بحل بعض الإشكالات الاجتماعية لأجل مسمى· فالجزائر التي استعادت أمنها واستقرارها ومصداقيتها تطمح بالطبع إلى المزيد من التنمية والثروة في إطار ما نصبو إليه من خلق فضاءات اقتصادية جديرة بالتخفيف مما يهددنا من تبعية دائمة ويحق لنا أن نتساءل إلى متى نبقى نعتمد على اقتصاد المحروقات الذي لا يتميز بالديمومة ولا بالاستقرار· ما هي التوجهات التي تريدون إعطاءها للاقتصاد الجزائري في المرحلة المقبلة؟ في الواقع تهدف الإصلاحات الاقتصادية الجارية بالجزائر خاصة منذ نهاية التعسينيات إلى بناء اقتصاد قوي لا يعتمد على البترول والغاز الطبيعي، اقتصاد قوي ذي تنافسية عالية يمكن الجزائر من الاضطلاع بدور أساسي ومحوري على المستوى الجهوي أولا ثم القاري والدولي· تسعى الجزائر اليوم لتطوير عدد من النشاطات الاقتصادية التي تتمتع فيها بتنافسية كبيرة وهذا بانتهاجها الإستراتجيات اللازمة في شتى فروع الفلاحة والصناعة والسياحة والخدمات· هذا ويفرض دخول اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي حيز التطبيق منذ أول سبتمبر 2005 وسعي بلادنا للانضمام لمنظمة التجارة العالمية اتخاذ التدابير الضرورية الكفيلة بتقوية القدرة التنافسية للمؤسسات الاقتصادية والمالية العاملة في الجزائر· ما هي حصيلة سياسة المصالحة الوطنية في نظركم على خلفية الوضع الأمني الراهن في الجزائر ومختلف التطورات التي عرفها؟ بدأت الجزائر مشوار استكمال استعادة السلم والاستقرار بسياسة الوئام المدني التي توجت بمصالحة وطنية زكاها الشعب عن بكرة أبيه وهذا من أجل الحد من الأزمة الاجتماعية وإشاعة الطمأنينة في النفوس وفسح المجال أمام استئناف تنمية البلاد اقتصاديا واجتماعيا· وساهمت سياسة المصالحة التي اعتمدتها الدولة بنزاهة وإخلاص بقدر كبير في إطفاء نار الفتنة داخل صفوف الشعب الواحد ورجوع العديد من الشباب المغرر بهم بمن فيهم الذين كانوا رهن السجون ومن كانوا في حالة فرار من العدالة إلى أهلهم وإعادة إدماجهم في أحضان المجتمع· وساهمت المصالحة أيضا بمساعدة أسر الضحايا على التغلب على مخلفات المحنة وأعني بالضحايا جميع الأموات والمفقودين والمعطوبين· كما مكن نهج المصالحة من نزع الغطاء السياسي عن الكثير من الجماعات الإرهابية التي أضحت تنشط أساسا في حقل الإجرام واللصوصية أو تعاطي الاعتداءات ذات الصدى الإعلامي، بما آل إلى عزل هذه العصابات الضارة الآثمة ونبذها من قبل الشعب بجميع فئاته· ما هي أسباب عودة الاعتداءات الإرهابية إلى واجهة الراهن المعيش في الجزائر وعلاقة ذلك بالجبهة الاجتماعية؟ تقلص عدد الاعتداءات الارهابية بالجزائر كثيرا كما تعلمون· ومازالت المكافحة متواصلة على يد قوات أمن طبقا للقانون وبالمساعدة الفاعلة لفئات الشعب· سينقرض الإرهاب في الجزائر طال الزمن أم قصر ولا يصح ربطه بوضع الجبهة الاجتماعية التي لا تختلف كثيرا عما هو موجود في العديد من البلدان المتوسطية أو المجاورة· مع العلم أن المشاريع الاستثمارية الجارية حاليا تنفيذها بالجزائر كفيلة بتحسين الحياة اليومية للمواطن ورفع قدرته الشرائية وفتح مناصب شغل للبطالين· ألا تحدثوننا عن تعديل الدستور الجزائري والانتخابات الرئاسية التي ستجري في العام الآتي؟ اعتمد الدستور الجاري به العمل عام 1989 وعدل عام 1996· كل دستور قابل للتحسين من حيث مقاصده وأحكامه على ضوء ما يكون قد نجم عنه من صعوبات في سير الدولة وما يستجد من حاجة إلى توضيح العلاقة بين مؤسسات الدولة وبين هذه الأخيرة والمجتمع بما يسوغ بناء النظام الذي يتحقق به التجدد الوطني وفق ما يصبو إليه الشعب من ديمقراطية حقة وحداثة ورفاهية· أما فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية المقبلة فسوف تتم في موعدها الدستوري بحول الله وسنتخذ التدابير الضرورية لإنجاحها وتمكين المواطن الجزائري من ممارسة حقه في اختيار رئيسه عن قناعة وبكل سيادة وحرية· ماذا يمكن قوله الآن عن وضع العلاقات المغاربية؟ تربط الجزائر بدول المغرب العربي علاقات تاريخية وثقافية واستراتيجية مبنية على الاخوة وحسن الجوار والتضامن والتعاون والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية· إننا سعينا على الدوام من اجل أن تكون هذه العلاقات متميزة من حيث إننا نعد هذه الدول امتدادا طبيعيا لتلك الاواصر التي رصت صف شعوبنا طيلة كفاحها المشترك ضد الاستعمار وانعكاسا للمقومات المتجانسة التي ينبني عليها كيان شعوب المغرب العربي وتجسيدا لمصيرها المشترك· هناك سنة قوامها الحوار والتشاور السياسي بين قادة الدول المغاربية حول القضايا الإقليمية والدولية تترجم إرادتهم المشتركة في إقامة جو من الثقة والاستقرار· وهذا ما تعكسه معاهدات الأخوة وحسن الجوار المبرمة بين الجزائر وهذه الدول والتي تدعمها آليات التعاون والتبادل في شتى المجالات كالطاقة والموارد المائية والفلاحة والموارد البشرية· في هذا الإطار شهدت علاقات الجزائر مع كل من تونس وليبيا وموريتانيا تطورا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة تجسد من خلال الاجتماعات الدورية التي عقدتها اللجان القطاعية للتعاون الثنائي والزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين والخبراء في مختلف القطاعات· أما مع المغرب الشقيق فإن العلاقات رهينة جمود وليست لنا القدرة على تحريكها من جانب واحد· وفي هذا السياق ما انفكت الجزائر تبدى استعدادها صادقة مخلصة لتطوير علاقات التعاون بين البلدين مع ترك معالجة مسألة تقرير مصير الصحراء الغربية لمنظمة الأممالمتحدة المسؤولة عن إيجاد حل عادل ومنصف لها· أما اتحاد المغرب العربي الذي تعلق شعوب المنطقة آمالها وطموحاتها عليه فإنه لم يتمكن من تحقيق أهدافه خاصة فيما يتعلق بالاندماج والشراكة الاقتصادية حيث إن المبادلات التجارية بين بلدانه لم تتعد 2 بالمائة من حجم تجارتها الخارجية· لا تتساوق من ثمة مع الرهانات والتحديات التي ستواجهها هذه البلدان مستقبلا بفعل ضغوط العولمة المتسارعة ومقتضياتها· من هذا الباب يتعين على دول الاتحاد أن تبادر إلى الاندماج بوضع إستراتيجية مشتركة للتنمية المستدامة وبإنشاء سوق مشتركة ومنطقة للتبادل الحر ومنطقة جمركية بنظام مالي متناسق· إن الأهداف هذه هي بالذات الأهداف التي تم تحديدها خلال قمة رؤساء دول الاتحاد المغاربي المنعقدة بليبيا سنة 1992· وإن مستقبل الاتحاد يبقى مرهونا بمدى اقتناع أعضائه بحتمية إرساء تعاون واندماج كلي وشامل يعول على إثماره بالخير العميم· ما هو موقف الجزائر مما يحدث في لبنان والعراق وفلسطين ومشاريع السلام المطروحة على المنطقة ؟ تتابع الجزائر باهتمام بالغ تطورات الأحداث في لبنان بالنظر للمكانة الخاصة التي يتبوأها البلد الشقيق العضو المؤسس للجامعة العربية لدينا والتي هي مصداق لعمق الروابط المتجذرة بين الشعبين الجزائري واللبناني· إن الجزائر لن تتوان قط في السعي مع الإخوة في لبنان في إطار الجامعة العربية لإيجاد مخرج يحظى بقبول جميع الأطراف ويضع حدا لشغور مؤسسة الرئاسة منذ نوفمبر الماضي· وما انفكت تدعو إلى ضرورة العودة إلى الحوار باعتباره السبيل الأمثل لحل المسائل العالقة· وفي ظل الجهود العربية المتواصلة لتسوية المشكلة اللبنانية ترأست الجزائر اجتماع مجلس الجامعة العربية المنعقد بالقاهرة يومي 5 و 6 يناير 2008 حيث أثمرت الجهود بتبني مبادرة تقضي بانتخاب قائد الجيش اللبناني ميشيل سليمان رئيسا للجمهورية ثم تشكيل الحكومة وتعديل قانون الانتخاب· لقد تم الاتفاق على أن تسند إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية مواصلة جهوده في إطار تطبيق الحل العربي المقترح بما يكفل إيجاد الصيغ التوافقية بين الأطراف والحفاظ على مصالح الجميع· أما بخصوص العراق فقد اتسم موقف الجزائر قبل الاحتلال وبعده بالتوازن والعقلانية آخذا بعين الاعتبار مصلحة الشعب العراقي والمنطقة عموما من خلال تأكيد احترام الشرعية الدولية ورفض استعمال القوة كأسلوب لحل الخلافات بين العراق والدول الغربية، النهج الذي تبين صوابه ومصداقيته بالنظر إلى ما آلت إليه الأوضاع في هذا البلد الشقيق· وفي إطار العمل العربي المشترك طالبت الجزائر بجدولة انسحاب القوات المتعددة الجنسيات ودعت في أكثر من مناسبة إلى احترام حرمة ووحدة العراق الترابية واستقلاله وسيادته· كما أكدت على الدوام حرصها على ضرورة مواصلة الحوار بين كافة الفرقاء السياسيين والجزائر تدعم أية إجراءات تدخل في إطار المصالحة الوطنية العراقية· ليست لنا سياسة إقليمية تخرج عن نطاق السياسة العربية المتبعة في إطار الجامعة العربية· لقد ساهمنا في كل مبادرات الجامعة ونبقى على هذا الحال إلى أن يرأب الصدع وترجع المياه إلى مجاريها في العراق الشقيق· وأما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية فإن الجزائر تقف على الدوام إلى جانب الشعب الفلسطيني للمطالبة باسترجاع حقوقه المشروعة طبقا للشرعية الدولية ومؤتمر مدريد للسلام والمبادرة العربية التي أقرتها قمة بيروت سنة 2002 وأكدتها قمة الرياض سنة 2007 وكذلك ما اتفق عليه في صنعاء· وتطالب الجزائر المجتمع الدولي وكافة الأطراف العربية والإقليمية المعنية بالصراع الفلسطيني - الإسرائيلي بالعمل على الرفع الفوري للحصار المفروض على الشعب الفلسطيني في كافة المناطق· كما تدعو الجزائر الفرقاء الفلسطينيين إلى إيجاد حلول للخلافات الفلسطينية - الفلسطينية وتحقيق توافق حول أرضية مشتركة بين الفصائل الفلسطينية خاصة حركتي فتح وحماس· وتؤكد الجزائر على ضرورة إذعان إسرائيل لواجب إبداء نيتها الصادقة في تحقيق السلام والعيش في أمان مع جيرانها في المنطقة والجنوح إلى الموافقة على قرارات الأممالمتحدة ومبادرة السلام العربية كخطوة أولى وضرورية تهيئ الأجواء لاستئناف عملية السلام في المنطقة بكافة مساراتها· ولما كنا حديثي العهد بعقد الدورة العادية العشرين لمجلس جامعة الدولة العربية على مستوى القمة بدمشق فإنه لا يفوتني أن أجدد الشكر للإخوة الأعزاء الكرام في سوريا قيادة وشعبا على الجهود المضنية التي بذلوها من اجل إنجاح أعمال قمتنا التي كانت بحق قمة موفقة· أجل لقد كانت قمة موفقة بالنظر للظروف التي انعقدت فيها وكانت موفقة نظرا لحجم التحديات والمخاطر والتهديدات التي نواجهها· وكانت أيضا موفقة وأستطيع أن أقول هذا من حيث أنها تطرقت لموضوع ما فتئ يطرح نفسه علينا بحدة ألا وهو موضوع العلاقات البينية العربية وسبل إزالة ما عكر صفوها من مشاكل واختلافات· انه بحق موضوع الساعة الذي لا يحتمل التأجيل ولا التريث فيه في ظل الظروف الحساسة التي نمر بها فنحن اليوم في هذا الظرف العصيب بحاجة ماسة وحيوية إلى المصارحة والمكاشفة وفتح قلوبنا لبعضنا البعض لنطرح بكل صدق وود وأخوة ولنصفي في جو من الثقة والصفاء المآخذ التي شابت علاقاتنا ونهتدي لأقوم السبل والوسائل لتفعيل تضامننا وعملنا المشترك في سبيل الرقي بشعوبنا نحو غد أفضل إن شاء الله تعالى· لقد كرسنا في إطار جامعة الدول العربية طوال تاريخ العمل العربي المشترك رصيدا من النصوص والآليات والتجارب الكفيلة بأن تتيح لنا طرح كل قضايانا واحتواء مشاكلنا وإيجاد العلاج المناسب لعلاقاتنا المضطربة في إطار من الحوار الراشد والعقلاني وبما يسهم في تفادي تطور هذه السلبيات إلى ما لا تحمد عقباه· لنفسح المجال إذن لعملنا العربي المشترك وللاهتمام بقضايا أمتنا المصيرية في جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية· وفي هذا السبيل أناشد مخلصا كافة إخواني القادة العرب داعيا إياهم إلى التمسك بالتضامن العربي وبجامعتنا العربية واستلهام هذه الروح الايجابية الفعالة التي أرستها قمة دمشق من اجل تثمير قراراتها ومن اجل بناء عزة أمتنا ومنعتها· كيف تنظرون إلى تطور العلاقات مع فرنسا وما هو الموقف من الاتحاد المتوسطي الذي يبشر به الرئيس الفرنسي؟ لقد سمح تبادل الزيارات بين الجزائروفرنسا على مستوى الرئيسين سنتي 2000 و2003 بإعادة تأسيس الحوار السياسي والتعاون الثنائي بين البلدين، حيث توج هذا الانتعاش بالتوقيع على إعلان الجزائر بتاريخ 02 مارس 2003 مجسدا بطريقة رسمية التزام البلدين بإقامة شراكة مثالية· وتم تأكيد الالتزام خلال تبادل الرسائل مع الرئيس ساركوزي بتاريخي 28 و30 مايو 2007· في المجالات الاقتصادية والتجارية شهدت العلاقات تطورا ملحوظا خاصة على مستوى المبادلات التجارية التي بلغ حجمها 9،8 ملايير دولار سنة 2006 و 09 ملايير دولار سنة 2007 كما بلغ حجم الاستثمارات الفرنسية في الجزائر حسب الوكالة الوطنية الجزائرية لتطوير الاستثمار في الفترة ما بين 2002 و2007 نحو 650 مليون دولار والمبلغ هذا يشمل 135 مشروعا استثماريا· لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار أن العلاقات الجزائرية الفرنسية تمليها عوامل معقدة وأبسطها التاريخ والجغرافيا فهي هامة وستبقى هامة في كل الحالات· وبحكم انتمائها إلى الفضاء المتوسطي وبفعل العلاقات الكثيفة التي تربطها بجل دول هذا الفضاء تهتم الجزائر بكل ما يمت بصلة إلى هذه المنطقة التي تعرف تجاذبات سياسية واقتصادية وبشرية بالغة الأهمية· وستعمل دائما على دعم كل ما من شأنه أن يترجم إرادة صادقة ومشتركة للمضي قدما في ترسيخ وتقوية التعاون الناجع والشراكة التي تعود بالمنفعة الفعلية على بلدان ضفتي البحر الأبيض المتوسط وشعوبها· ومن هذا المنطلق فإن الجزائر تدرس باهتمام كبير كل جوانب مبادرة الرئيس الفرنسي وما يقترح لها من محتويات· بحكم أنكم واحد من الزعماء الأفارقة الذين تصوروا وبادروا بالشراكة الجديدة من اجل تنمية إفريقيا (نبياد) نود أن تقيموا لنا الأشواط التي قطعها هذا المسار الذي انتهجته القارة الإفريقية منضوية تحت لواء الاتحاد الإفريقي؟ تقوم النيباد على مبادئ أساسها الحكم الراشد واضطلاع الأفارقة بالمسؤولية عن أنفسهم بأنفسهم والاستخدام الأمثل لموارد القارة وترقية الاندماج الجهوي والقاري· ويتم تنفيذ هذا البرنامج بالتنسيق بين الاتحاد الإفريقي والمنظمات الجهوية ذات العلاقة مما مكن إفريقيا من التموقع على الساحة الدولية واكتساب صفة الشريك على تحقيق التنمية وعلى الاستغلال الأمثل لإمكانياته· ومن باعث التزامها قامت بلادي بتقديم مساهماتها على مستوى الهيئات الإفريقية والدولية للتعريف بالنيباد وتنفيذها كما قامت بواجبها نحو الآلية الإفريقية للتقويم من طرف النظراء بتقديم تقريرها في الآجال المحددة· وبعد ست سنوات من انطلاق النيباد تم تحقيق عدة انجازات في ميادين السلم والأمن والحكم الراشد والهياكل القاعدية وتكنولوجيات الإعلام والاتصال والفلاحة والعلوم والتكنولوجيا والصحة والتربية· أما بالنسبة لآفاق النيباد، فيمكن القول إن إفريقيا تعلق آمالا كبيرة عليها وهو ما أشارت إليه قمة التفكير للجنة تنفيذ المبادرة التي انعقدت بالجزائر في السنة الماضية، حيث قيمت النيباد وسمحت بتحديد مختلف العراقيل التي تواجه تطبيقها· وسنحت هذه القمة كذلك بإعادة تنظيم العلاقة الهيكلية والوظيفية بين النيباد ومؤسساتها من جهة ولجنة الاتحاد الإفريقي ووسائلها من جهة أخرى مع إلغاء أوجه التعارض بينهما واسترجاع النيباد لوظيفتها كبرنامج لتنمية إفريقيا· وقد صادقت قمة الاتحاد الإفريقي المنعقدة بأديس أبابا في مطلع فبراير 2008 على قرارات قمة التفكير للجنة التنفيذ المذكورة المنعقدة بعاصمة الجزائر· وستعقد بحول الله في داكار يومي 15 و 16 أفريل الجاري قمة مصغرة لتدقيق ما تم عليه الاتفاق في هذا الشأن بالجزائر وأديس أبابا على حد سواء·