يجمع المتتبعون للشأن الداخلي الليبي أن السلطات الليبية الجديدة وجدت نفسها في مواجهة أزمة حادة عجزت من خلالها عن إيجاد حل لمن أصبحوا يعرفون ب''الثوار'' وهم آلاف الشبان الذين حملوا السلاح في وجه النظام السابق منتصف فيفري من العام الماضي. وأكد هؤلاء أن المجلس الانتقالي الذي وجد نفسه محاصرا بمطالب مختلف شرائح المجتمع الليبي بعد انهيار مؤسسات الدولة الرسمية في خضم الحرب الأهلية التي عاشتها ليبيا طيلة ثمانية أشهر من المواجهات الدامية فشل إلى حد الآن في إيجاد مخرج لهذه المعضلة المستعصية. وإذا كانت مختلف المشاكل الاجتماعية التي يعاني أبناء الشعب الليبي ألقت بضلالها على خطة عمل حكومة عبد الرحيم الكيب وعرقلت تقدم عملها فإن قضية المليشيات التي أفرزتها ''الثورة'' ضد العقيد الليبي المغتال تبقى من اكبر القضايا المطروحة على طاولة مسؤولي المجلس الانتقالي الذي وجد صعوبات كبيرة في طريقة إعادة تجريد هؤلاء من أسلحتهم وإعادة إدماجهم في مناصب عملهم أو مقاعد الدراسة التي تركوها في زخم الحرب الأهلية. ولم تعد قضية هؤلاء قضية مهنية أو اجتماعية ولكنها أخذت أبعادا سياسية بعد أن تكونت لديهم فكرة ضرورة أن يتم منحهم مناصب مسؤولية عرفانا لهم بالتضحيات التي قدموها في الجهد العسكري الذي مكن من الإطاحة بالنظام السابق. واستدعت هذه الوضعية على وزراء الدفاع والداخلية والتخطيط في الحكومة الليبية عقد اجتماع طارئ لبحث تداعيات مظاهر التسلح التي أصبحت تقلق السلطات المحلية والعواصم الأجنبية التي أبدت مخاوف من عمليات اتجار واسعة في الأسلحة وتهريبها واحتمالات وصولها إلى أيدي الجماعات والتنظيمات المسلحة في المنطقة. ويسود الاعتقاد في الأوساط الليبية أن الحل الأمثل لهذه الأزمة يبقى في إدماج ثلث الثوار في صفوف الجيش النظامي والشرطة التي شرع في تشكيلها من جديد بينما سيخصص للآخرين برامج تكوينية في مختلف مجالات النشاط سواء في الداخل أو في الخارج. ولكن ''اتحاد الثوار'' الذي تأسس مباشرة بعد مقتل العقيد معمر القذافي في 22 أكتوبر الأخير وإعلان انتصار ثورة 15 فيفري رفع من سقف مطالبه واشترط على المجلس الانتقالي تخصيص أربعين في المئة من مقاعده لأعضائه. ويسعى هؤلاء إلى فرض منطقهم بفضل ترسانة الاسلحة التي استولوا عليها خلال الحرب الأهلية ويؤكدون أنهم القوة الفعلية على الأرض وهم رمز الثورة في رسائل مشفرة باتجاه السلطات السياسية بأنهم هنا ولا احد بإمكانه أن يتجاهل دورهم وبالتالي فوزهم بحصص في توزيع مناصب المسؤولية حتى وان أكدوا أنهم يبقون على ولائهم للمجلس والحكومة الانتقالية. وبنظر العديد من المتتبعين فإن الحكومة الليبية تدرك الثقل الذي أصبح يمثله هؤلاء في المشهد السياسي الليبي الجديد وهي لذلك لا تريد الدخول في مواجهة مفتوحة معهم وخاصة وأنها لم تتمكن بعد من بسط سيطرتها على الأوضاع العامة وفي وقت مازال فيه الشعب الليبي يعيش تحت طائلة تبعات الحرب الأهلية. وقد اعترف عبد الرحيم الكيب الوزير الأول الليبي الجديد بهذه الحقيقة وقال إن المليشيات المسلحة قضية معقدة أكثر مما هو متوقع إلى درجة انه ليس بمقدورنا القول لهم شكرا لكم على كل ما بذلتموه من اجل تحرير ليبيا وقد حان الوقت لعودتكم من حيث جئتم''. ولكن احد ضباط الجيش النظامي السابق الذين انقلبوا على رئيسهم السابق وانضموا إلى الثورة أكد أن المجلس الانتقالي اصبح يخشى الثوار وهو ما يفسر تراخي أعضائه في اتخاذ قرار شجاع لتجريدهم من أسلحتهم وطردهم من العاصمة طرابلس وكبريات المدن الليبية الأخرى. ويؤشر تصريح العقيد بشير العويدات على وجود حساسيات حادة بين قدماء الجيش الليبي السابق ومن سموا أنفسهم ب''الثوار'' وهو ما يفسر رغبة هؤلاء في قطع الطريق أمام الفارين من جيش العقيد القذافي وتأكيد رغبتهم في الفوز بحقيبة وزارة الدفاع وهيئة الأركان الجيش الليبي القادم.