لم تحظ أية شخصية علمية أو فنية أو أدبية بما حظيت به شخصية سيدي بومدين في تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية 2011 من تقدير وتنويه.تلمسان رغم تنوع معارفها وثراء تاريخها الثقافي بالكثير من العلماء في كل عصورها الإسلامية، إلا أنها لم تحتف بهم ذلك الاحتفاء الذي احتفته بسيدي بومدين الإشبيلي البجاوي، الذي أراد عبور تلمسان إلا أنه فضل الرقاد فيها فتسمّت باسمه وأصبحت مدينته ونساؤها بنات سيدي بومدين. الشيء المثير والذي يمكن أن يلاحظه كل متمعن ومدقق لمدن الجزائر، أن كل مدينة يتوجّها رجل صالح فتضعه على رأسها وتزيده قيمة عندما يظهر مسجده أو زاويته لزائريها من مكان بعيد، لأن مكان الأولياء يكون دائما الارتفاع أي مقاماتهم في المرتفعات وكأنهم حراس أو أبراج مراقبة ترصد الحياة الاجتماعية وتحركها من فوق ربوة تطل على المدينة بأكملها... ففي الجزائر العاصمة التي سميت بمدينة سيدي عبد الرحمن الثعالبي، يقع مقام هذا الولي الصالح في أعاليها ويطل على قصبتها العتيقة، وفي بجاية ''يما قوراية'' الجبل الذي يطل على المدينة، وفي قسنطينة سيدي راشد، وفي تلمسان سيدي بومدين ولالة ستي، بل في كل مكان من مدننا الصغيرة والكبيرة يحتل العلماء والصلحاء أمكنة الرفعة. ''تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية'' لسنة ,2011 لم تكن مدينة بذلك الضوء الذي ينير أعلاها كمنارة بحرية ترشد الضال وتهدي العابر وتريح القادم لرؤيتها، عاصمة ملك تلمسان وعاصمة علم وعلماء كانت قبل أن يستقر فيها سيدي بومدين استقراره الأبدي، وهو الذي سأل عن المكان حينما وصلها فقيل له نحن في منطقة تسمى بالعبّاد فقال ''وهنا يحلو الرقاد''. فالمكان مكان العبّاد الذين استقروا هناك للعبادة ولطلب العلم، وهم لا يحصون رغم الجهد العظيم الذي بذله ابن مريم في بستانه. وسيدي بومدين قدّم تلمسان قبل قدومه الأخير عبر إليها من المغرب ومنها واصل طريقه إلى بجايةالمدينة، التي قال عنها إنها تعين على الرزق الحلال. سيدي بومدين يعود من تلمسان ويقف هناك في قصرها الجديد قصر الثقافة ومع سلاطينها وعلمائها وقفة يحتفى بها كل الاحتفاء، فقد خصصت لفضيلته الملتقيات العلمية والمحاضرات والأفلام الوثائقية، وكلها تحاول أن تلم بشخصيته من جميع جوانبها العلمية والجهادية، من صباه في إشبيليا وهو يمتهن مهنة موسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم يرعى الأغنام، وكأنما هذه المهنة التي هي مهنة الأنبياء كانت كرامة تبشيرية لهذا الولي، الصالح الذي يترك قطيعه ويفرّ طالبا العلم رغم إصرار إخوته على مهنته هذه، لكن العلم وحده لم يكن الفيصل في حياة هذا الرجل الظاهرة أو هذا الشاب، بل هناك جانب آخر من هذه الحياة، وهو جانب الجندية حيث يلتحق سيدي بومدين بالجندية ويخدم فيها كرجل عسكري منضبط لمدة ثم منها ينتقل إلى العلم، وكثيرا ما يقترن العلم بالجهاد ودماء الشهداء بمحابر العلماء، وتشاء الأقدار أن تجتمعا في شخصية سيدي بومدين صفة المجاهد المحارب الذي يستشهد بعضه ويدفن في ساحة المعركة، هذا البعض الذي هو الساعد حامل السيف، وهو أيضا الذي حمل القلم. وبين النفس الرقيقة الشفافة الذوّاقة التي تسكن هذا الجسد الذي نتخيّله قويا لأنه مارس العسكرية مبكرا، تجتمع خصلة أخرى لخصلة الجندية والعلم، وهي النفس الشاعرة التي ألهمت التقوى فتفجر منها الشعر ينبوعا متدفقا ليواصل طريقه عبر الأزمنة يسقي الناس ويقودهم إلى الحب، حب الله، فنسمع سيدي بومدين وكأنه يعارض رابعة العدوية في قصيدتها: ''أحبك حبين حب الهوى.. وحبا لأنك أهل لذاك'' والقصيدة مطلعها: ''عرفت الهوى مذ عرفت هواك وأغلقت قلبي عمن سواك وكنت أناجيك يا من ترى خفايا القلوب ولسنا نراك أحبك حبين حب الهوى وحبا لأنك أهل لذاك'' فيقول سيدي بومدين: ''تذللت في البلدان حين سبيتني وبت بأوجاع الهوى أتقلب فلو كان لي قلبان عشت بواحد وأترك قلبا في هواك يعذّب ولكن لي قلبا تملّكه الهوى فلا العيش يهنا لي ولا الموت أقرب كعصفورة في كف طفل يضمها تذوق سياق الموت والطفل يلعب'' سيدي بومدين في سنة تلمسان عاصمة الثقافة الاسلامية ,2011 خص بأكثر من عمل وملتقى، فتم تصوير سيدي بومدين في فيلم وثائقي أخرجه حي مزاحم تحت عنوان ''سيدي بومدين بن شعيب الغوث'' وقام بدور سيدي بومدين عبد القادر بوجاجة، وقد أشار الفيلم إلى لقاء سيدي بومدين بالسلطان صلاح الدين الأيوبي وتم عرض هذا الفيلم يوم الأربعاء 08 جوان 2011 بدار الثقافة بتلمسان. وعندما يذكر سيدي بومدين في المغرب ينتشر عطره في المشرق، سئل صلاح الدين الأيوبي عن سبب إسكان المغاربة بالمنطقة التي تدعى حارة المغاربة، فقال: ''أسكنت هناك من يثبتون في البرّ، ويبطشون في البحر، من أستأمنهم على هذا المسجد العظيم وهذه المدينة''. باب المغاربة وحارة المغاربة من أملاك سيدي بومدين تم الحاقها بالأوقاف سنة 720 ه 1320 م والوقف تم تسجيله تحت رقم 194 ومساحته 15 ألف هكتار وهو قرية عين كرم وأراضيها التابعة لها ومباني في القدس الشريف وحائط المغاربة الذي يدعى اليهود أنه حائط المبكى. عاد سيدي بومدين من تلمسان والذي أحبّ الرقاد والمكوث الأبدي فيها، وعندما تحولت المدينة إلى عاصمة للثقافة الإسلامية سنة ,2011 بايعته أن يكون عليها سلطانا فأنزلته القصور ومدارج الجامعات وقاعات المحاضرات والأفلام الوثائقية، لتؤكد لكل زائر لتلمسان أن سلطانها هو تاجها الذي تضع على رأسها في هضبة العباد سيدي بومدين الغوث.