دأبت جمعية "الجاحظية" على الاجتهاد الثقافي من حيث تنويع المنابع التي تشكّل الساحة الثقافية، فتعطيها الفسحة للتدفّق والتعبير وتشدّ بيدها حتى يستقيم لسانها ويشتدّ بيانها فتمضي في طريق الإبداع، فاستضافت مجموعة من شعراء الوسط الجزائري وتركت لهم حرية الكلمة بالدارجة المتداولة وبالفصحى، فجاء الشعر منتفضا وحارا ومتضامنا مع التاريخ الوطني والفريق الوطني الذي رفع العلم عاليا ووحّد القلب والقالب وأعاد الفرح إلى كلّ الشعب الجزائري، لتكون الجزائر شعار المرحلة ومشروع الوطن والطريق لبناء المستقبل، فكان اللقاء أوّل أمس الثلاثاء مع باقة من الشعر والشعراء. كانت بداية الأمسية الشعرية مع الشاعر أحمد تتبيرت من سهول متيجة الخصبة، التي فجّرت في لسانه الحكمة وجعلت شعره كتلة من الخبرات والتجارب وشحنة من الحياة التي مارس فيها الحلو والمرّ وحفظ دروسها بامتياز، كانت قصائده من نوع الرباعيات استهلها برباعية "باسم الله العالي" وفيها الكثير من النقد وتجارب الحياة. أمّا شيخنا وشاعرنا المتألّق دائما، الأستاذ يحيى حدوش، فقد كان الصوت الوطني الذي ما يزال يحمل في نبضه كلّ الأمة الجزائرية بعظمتها وأمجادها ووحدتها التي تتمثّل في الدين والوطن، الإسلام في رمز عقبة بن نافع الفهري والأمازيغ الذين شيّدوا أسوار الحرية والمجد وكوّنوا الأمة الجزائرية بكلّ تركيبتها، جاء شيخنا الشاعر من مدينة برج بوعريريج وأطربنا بلغته الأمازيغية المطعّمة بالعربية وبصوته المتحمّس، ودعا إلى الوحدة في قصيدة بالأمازيغية عنونها ب"حكايتي حكايت بلادي ... ذي جرحن في كل يوم"و وكانت قصائده اجتماعية وطنية وأخلاقية يفيض منها الحب بكلّ صفائه وصفاته الإنسانية. بعد الشيخ يحيى حدوش تقدّمت إلى المنبر الشعري الصحفية الشاعرة فوزية ايولالن، التي غرّدت هي الأخرى في دوحة الشعر باللغتين العربية والفرنسية، حيث قالت في قصيدة من النصوص الحرة عنوانها "بسيف الجهالة " : "غلقت جفناي.. لإدانة الجهل والتقاعس.. لكن أقعدني كذب الحديث.. زيف رجل.. حسبته مثقفا.. سرعان ما يتفجر.. بركان التخلّف.. يغتال ابن آدم على يد أخيه، أين أنت؟ من جلد الثور.. والثعبان.. أكاذيب.. فوق الشفاه.. ضاعت المودة بينهم"، والقصيدة تصوّر واقعتي القاهرةوأم درمان وكيف تحوّلت مباراة إلى معركة لسان وقلم. وبعدها جاء دور الشاعر الشعبي أحمد الذي ألقى قصيدة جاء في مستهلها: "أنت معايا وماقدرتش نصبر ** فما بالك إذا رحت بعيده". وبعد هذا الشاعر تقدّم الأستاذ الإذاعي علي ديفل ليتكلّم عن الشعر ودوره في المجتمع الجزائري وفي المقاومة والثورة، واعتبر علي ديفل التراث الشعبي الجزائري غنيا وثريا وإنما يحتاج إلى عناية، وأكّد أنّ ما يميّز الشعر الشعبي الواقعية في الطرح، كما يوجد في هذا الشعر الحكمة والتأمل والتوعية، وأنشد الأستاذ علي ديفل عدّة قصائد ملحونة منها قصيدة تأملية جاء في مستهلها "هذا حال الفانية كانك تعلم"، أمّا القصيدة الثانية فقد خصّصها للأم والوالدين بصفة خاصة، قال في بدايتها "واش يصبر خاطري علي بيا ** إذا صدوا قول أمرار الدنيا". كما لم تغب مدينة القدس عن هذه الباقة الشعرية الجميلة بالإضافة إلى الفريق الوطني الذي حاز المساحة الكبرى من القصائد الملقاة، فهذا الشاعر زينو العاصمي ردّ على دعاة الفتنة والتفرقة بين الشعبين الشقيقين الجزائري والمصري، قائلا : " أنتوما لعملتوا وابديتوا ** * جهلتوا وخسرتونا الكلام" أمّا الشاعرة فريال حقي فقد قدّمت قصيدتين هما "ذكرى وفا " و"دمعة عمر". ومن جهته الشاعر عون عبد الله القادم من مدينة البويرة أتحف الجمهور الحاضر والذي كان أغلبه من شعراء الأمسية بقصيدة عنوانها "خضرا يا زهو البال" وقصيدة أخرى سماها "رسالة احترام " جاء في مطلعها: "كونك مومن ماتكونش حقودي". أمّا الشاعر البويري الثاني فهو الأستاذ مومني محمد، فقد ألقى قصيدة حول الفريق الوطني جاء فيها "هذا مكتوب الله يا الشعب الصبور". بعده اعتلت المنصة الكاتبة والشاعرة سندس وألقت نصا شعريا تحت عنوان " تسابيح"... ليأتي بعدها الشاعر حموش محمد والشاعرة ياسمين جنوحات. وكانت الباقة من الشعر والشعراء، باقة رياضية متنوّعة اللغات والتصوّر، لكن متّحدة الإطار والشعر.