ضالشعر فن ذوق الكلام، يثمر النشوة والفرح ويستلذ الأحزان، والمواجع يحولها إلى نغم القلوب، يفتحها للتلوّن حين يجلس على أنهار الأماقي، يحسد انزلاقها على مركب الخدود وهي ترتشف شفاه الانحدار، تنطبق كأي باب سجن، لا تسمع صلصلة انغلاقه، لأن البوح هو الآخر طلقة لكلمة صامتة تصوب في عواصف الظلام، هو ذا الشعر الذي يبتدعه الشعراء ويعصرون من كرومه خمرة للذهول، لم أستطع تحديد خرائط القصائد ولا التغلغل في أعماق الكلمات، لأنني لم تهزني بعد لياليك المتسللة »وأهز أفيون دمي« مجموعة شعرية للشاعرة اللبنانية روز كلش، صدرت مؤخرا عن »فيسيرا«. هل أصبح الشعر بلون الماء، يتشكل بالجمل التي يركبها؟ أم هو مجرد هفوات تطاردها اللعنة، لأن الصهيل أقوى من أن تعيده الكلمات إلى صدرها. هو ذا الشعر الذي يجلد بسياط شهواتنا ولا يرى الفن إلا شهقة شهوة تعمّر لحظة وتموت، يركب الاغتراب ويسخر من المتنبي، ويحب أن يختنق في وجع العناق، يبقى الليل الراية التي تحمل أقمارا وتستظل بشجر ينحني للريح ويرحل طائرا فوضوي الجناح. ترفع ستائر كلماتها بخيوط أصابعها وتبوحه له، من خلال أصابعه، حين تقول في بصمتها الأولى: »يفاجئني عطر الغياب يحرك بأصابعه قضبان الذاكرة عسل الشهوة يفاجئه الكلام فينطفئ بياض الليل يغادرني« هكذا تمارس الغزل بخيوط القمر لعلها تنسج كلمة، السر في ذلك التفكّك والتّمزق الممارس بخناجر طرية لا تترك إلا أوجاعا وهمية، وتمضي في خرائطها تبحث عن لون تعصره عن برتقالة، أسقط الريح برعمتها عن شيء لا يمكن أن نسميه إلا بتسمية، لا تستقيم كبقية الأسماء تقول: ''ما أروع أقاليمك أيتها السكينة - الصمت يدركك الله فيتسع مداه..« هي ذي المجموعة التي افتتحت لشاعرة روز كلش فهرستها ب»أصابع« وثنأتها ب»الجدار«، ثم دخلت عالم المجانين تبحث عن قيسها »الجنون.. هو الامتلاء بعبيرك النرجسي«، وتمضي للسكر وتميد بها الأرض »سكير يردم بقية ظله«. ويبقى الشعر متعريا من ألبسته في عرض أزياء كلمات مستوردة خارج الوعي، مدهونة بطلاء العربية الأسود، تحاول أن تنير مدن الجمل بأسلاك مقطوعة لا يعبُرها التيار.. وليس هناك إلا جسد وهذيان وكذب. يملأ مقابر الشعر بجثامين مصندقة، كأي نفس تقبض في دار غربة وتموت قبل الموت، ثم تحمل على متن أحرف تستغفر لها الاغتراب حين تقول في جربوا؛ » خذوني إلى الحياة إلى جحيم قبلة، الماء.. وأنا مفترسة بين ضفتين أموت لأرجع.. جسدا يتحرر من خرائبه..« 42 نصا هي هذه الافترائيات الشعرية، والتي جعلت للكلمات مخالبا وأنيابا تأكل بها كل الأجساد التي تثمر شهوة، وتستظل بجحيمها، هذه هي المجموعة الشعرية التي صدرت عن فيسيرا، وهي من قطع الجيب، وتتوزع على 801 صفحات.