أكدت عدة تقارير أن الرئيس المصري الجديد محمد مرسي أبدى رغبة في تكليف شخصية مصرية مستقلة لقيادة حكومته التي أرادها أيضا أن تكون مزيجا من شخصيات ذات توجهات سياسية وحساسيات متنوعة. وتؤكد هذه التسريبات المقدمة من محيط الرئيس المصري أن محمد مرسي يريد تجسيد وعده الذي أخذه على نفسه بأن يكون رئيس كل المصريين وأنه سيتعامل مع كل فعاليات المجتمع المصري بنفس الطريقة لا فرق بين إسلامي وعلماني، مسلم أو قبطي. ويبدو أن أول إسلامي يتولى مقاليد سلطة دولة بحجم مصر يريد أن يغير الصورة النمطية التي عادة ما تلصق بالإسلاميين على أنهم خطر على الحريات العامة لطمأنة المسيحيين الأقباط أولا وتوجيه رسائل إلى العواصمالغربية عامة من أجل الاقتناع بأنها ستجد حكومة وسلطة مصرية متفتحة على العالم وأنها ستعمل على المحافظة على الحريات العامة وضمان الممارسة الديمقراطية للجميع. وهو ما جعل أحد مستشاريه يؤكد أن الطاقم الحكومي سيكون مكونا في عمومه من شخصيات تكنوقراطية ليست بالضرورة من التيار الإسلامي والمهم أن يكون قاسمها المشترك إنجاح أول تجربة ديمقراطية في بلد حكمه العسكريون طيلة ستة عقود. وهو ما جعل كثير الأسماء يتم تداولها عبر مختلف الصحف المصرية من بينها حتى اسم محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بينما ذهبت أخرى إلى طرح اسم حازم الببلاوي الذي شغل منصب وزير المالية في الحكومة الانتقالية التي تم تشكيلها لإدارة الشأن العام المصري مباشرة بعد الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك. وإذا كان الرئيس الإخواني أراد من خلال توسيع دائرة الأحزاب والفعاليات التي يرغب في التعامل معها التأكيد أنه لن يكون مقيدا بتوجهاته الايديولوجية، إلا أن الكثير من المتتبعين أكدوا أن مرسي أرادها كذلك حتى يوسع دائرة مواجهة قيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة التي استأثرت لنفسها بصلاحيات واسعة في اتخاذ القرارات الحاسمة التي كانت في الأصل من ضمن صلاحيات الرئيس المصري قبل أن تنزع منه في الإجراءات الدستورية التكميلية التي أصدرت مؤخرا. لكن متاعب الرئيس المصري الجديد لن تكون فقط ذات علاقة بالصلاحيات التي كان يجب أن تؤول له قبل أن يحرم منها، لكنها ذات بعد اقتصادي في بلد تبقى موارده المالية محدودة وشحيحة وأدت إلى اتساع حجم المديونية العمومية وتراجع الاستثمارات الأجنبية. وهو ما يجعل مهمته مستعصية في تحقيق الإنعاش الاقتصادي والقضاء على شبح البطالة المتنامية والتي مست 24 بالمائة من شرائح المجتمع المصري التي بلغت سوق العمل في نفس الوقت الذي تراجع فيه الاحتياطي المصري من 36 مليار دولار بداية العام الماضي إلى 15 مليار في الوقت الراهن، وهو مبلغ إن هو واصل تدهوره فإنه سيؤدي إلى عجز الدولة المصرية عن الدفع. وإذا علمنا بأن الاقتصاد المصري ارتبط أساسا بمداخيل قناة السويس والصناعة السياحية والاستثمارات الأجنبية وحتى "مساعدات" الدول الصديقة ندرك أن مهمة الرئيس محمد مرسي لن تكون سهلة في إعادة الروح إلى أرقام هذه المعادلة متعددة الأطراف في وقت ستكون أشهر حكمه الأولى محل متابعة من الجميع والكل ينتظر ما إذا كان عند وعوده التي التزم بها. وكشفت صحيفة "الوطن"، أمس، أن اتصالات سرية جرت بينهما برعاية الولاياتالمتحدة ووساطة محمد البرادعي قبل إعلان فوز مرسي بالرئاسة تقضي بتقديم الإخوان لتنازلات من بينها ترك اختيار الوزارات السيادية بيد المجلس العسكري مقابل وعود أمريكية لصالح الجيش مقابل إبطال بعض الطعون التي تقدم بها أحمد شفيق والتي كانت ستغير النتيجة لصالحه. وأكدت مصادر مصرية أن مثل هذه الصفقة ستمكن حزب الحرية والعدالة من الظفر ب 8 حقائب وزارية في الحكومة الائتلافية، منها حقيبتان سياديتان وهما الخارجية والمالية فيما يحتفظ المجلس العسكري بحق اختيار حقائب الدفاع والداخلية والعدل. كما أن هناك شبه توافق بين الطرفين على السعي لإيجاد مخرج قانوني يلغي عمليا قرار حل مجلس الشعب بشكل كامل والالتزام بنص منطوق حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان ثلث أعضاء المجلس على المقاعد الفردية. ولا يستبعد أن يكون قرار المحكمة الإدارية، أمس، القاضي بإلغاء تطبيق قرار المجلس العسكري بتخويل الجيش والمخابرات العامة صلاحية اعتقال مدنيين يدخل ضمن هذه الصفقة التي وصفتها مختلف القوى السياسية المصرية بأنها خرق لقرار إلغاء حالة الطوارئ.