مرت خمسون سنة على ذكرى استقلال الجزائر التي قدم شعبها الأغلى، لاسترداد حرية سلبت لمدة تزيد عن قرن وربع قرن.. فكانت ثورة فريدة من نوعها ما زال دويها يدوي في الجزائر وخارجها إلى حد الساعة، وبهذا الخصوص، أرادت “المساء” فتح فضاء للنقاش بين مجاهدي الأمس حول مستوى الثقافة التاريخية لشباب اليوم، لمعرفة إذا كان هناك تواصل بين جيل الثورة بما يحمله من قيم وروح وطنية، وبين جيل اليوم الذي يعول عليه في حمل مشعل التشييد. ثمة جهود بذلتها الدولة الجزائرية منذ الاستقلال، من أجل تكوين أجيال مشبعة بقيم الثورة النوفمبرية المجيدة التي حطمت أسطورة أنّ الجزائر مقاطعة فرنسية ما وراء البحار، ومن أجل إعداد نشء غير منسلخ عن تاريخه وماضيه المليء بدروس الوطنية، ولقد حان الوقت فعلا لتقييم مدى نجاح هذه السياسة المطبقة على مدار نصف قرن في تنشئة جيل قادر على الصمود في وجه تحديات العصر. وفي إطار معرفة العلاقة بين الثورة والجيل الجديد، يذهب المجاهد “محمد رضا بسطنجي” إلى القول بأنّ أهم ما يمكن قوله عشية الاحتفال بعيد الاستقلال والشباب، هو أنّ الجزائر تغيرت تماما، لأنّ الذين قاموا بالثورة كانوا شبانا (أكبرهم يبلغ 25سنة)، استطاعوا أنّ يقهروا فرنسا التي كانت تعد من أقوى الدول في العالم، من أجل استرجاع السيادة الوطنية. وبموجب ذلك، يضيف المتحدث: “ترك الشهداء والمجاهدون رسالة للشباب، حتى يكون في المستوى الذي يتطلبه مهام تسيير وبناء الجزائر المستقلة، لكنّ الظاهر هو أنّ تحوّلات البلاد على مدار السنين أثرت على نظرة بعض الشباب لتاريخ الثورة التحريرية، وإن كان هذا لا يعني أنّه لا يحمل القيم الوطنية للمساهمة في بناء المجتمع، إلاّ أنّه لا ينفي وجود مشاكل تعترض البعض منهم وتحمّلهم على التفكير في الهروب، وهؤلاء بحاجة إلى من يزرع الأمل في نفوسهم”. ويستكمل المجاهد محمد رضا بسطنجي؛ “إنّ الكشافة من جهتها ساهمت في بناء شباب مشبع بالروح الوطنية منذ 1942، وبرأيي، شباب اليوم يلزمه معرفة تاريخ الآباء والأجداد جيدا إذا أراد بناء المستقبل، لاسيما وأنّ كل سبل التعلم والإمكانيات المادية والبشرية متوفرة لبلوغ هذه الغاية”. وبرأي المجاهد “مقران صالحي”، فإنّ العديد من شباب اليوم لا يعرف تاريخ الثورة النوفمبرية تمام المعرفة، لافتا إلى أنّ الذنب ليس ذنبهم في المقام الأوّل، لأنّ صناع الثورة ممن ما يزالون على قيد الحياة، مطالبون بكشف ما يوجد بذاكرتهم التاريخية، حتى لا ينسى الشباب جزائر المليون ونصف المليون شهيد. ويقول ل«المساء”: “نحن المجاهدون لم نكتب الكثير عن تاريخ الثورة، إذ ظلت عدة حقائق في طي الكتمان، الأمر الذي يحول دون إعطاء بعض الشباب أهمية للمناسبات التاريخية، لاسيما ما تعلق بثورة نوفمبر التي لم تكن مجرد حركة عشوائية، إنّما قصة كفاح مرير كلف آلاف الأرواح”. ويدعو المجاهد صالحي إلى الاهتمام بالأسرة الثورية وتوفير الظروف الملائمة، لتتمكن من تدوين الوقائع التاريخية. فالمفروض أنّ الاستقلال مكسب للشباب الذي يحتاج إلى يد المساعدة، خاصة وأنّ جزائر اليوم بحاجة إلى مواصلة الكفاح على عدة أصعدة لضمان مستقبل أبنائها، بناء على قاعدة المشروع السياسي للثورة، لكن بالمقابل، لا يتعين على الشباب المطالبة بالحقوق فقط، فهناك واجبات يجب أداؤها لضمان غد واعد بعيد عن تيار الهروب. ومن جانبه، يرى المجاهد “محمد غفير” أنّ الموضوع – محل النقاش- حساس ويشكل قضية الساعة.. ويوضح المجاهد: “شباب اليوم في نظري ضحية للجهل بتاريخ الثورة الجزائرية العريق، والحقيقة أنّ تاريخ الجزائر المستعمرة لا يختصره الفاتح من نوفمبر والخامس جويلية، فبدءا بالمقاومات الشعبية، ومرورا بالكفاح السياسي والمفاوضات، ووصولا إلى موعد انطلاق أوّل رصاصة، تبقى عدة حقائق في طي الكتمان يجهلها الشباب الجزائري، للأسف، وهو ما يجعلنا في وضع تنطبق عليه مقولة “شعب بلا ذاكرة، شعب بلا مستقبل”. والمؤسف هو أنّ البعض من مدرسي اليوم لا يعرفون الكثير عن تاريخ الجزائر، فهذا الأخير لا يعني رفع الأعلام الوطنية في بعض المناسبات، وهنا يتوقف الدور على الدولة لإعادة الاعتبار لهذا التاريخ ومحو آثار النظرة السلبية التي ينظر بها بعض شباب اليوم إليه، خاصة في ظل وجود 10 آلاف من المجاهدين المزيفين. أما السيد “محمد بن مدور”، مؤرخ، فيقول: “إنّ الأكيد بخصوص هذه المسألة، هو أنّ شباب اليوم ليس كشباب الثورة الذي كان مشبعا بروح الوطنية ومتمسكا بالهوية.. وهذا الواقع بات يطرح عدة نقاط استفهام، بالنظر إلى حقيقة عدم تكيفه مع السياسة الاجتماعية للبلاد، في الوقت الّذي تكاد تنحصر فيه اهتماماته في المقابلات الكروية وبعض الأمور التافهة... ومن أعراض هذا الواقع، كون العديد من شباب اليوم لا يعرف قيمة الأسرة ولا يشعر بمسؤولية المساهمة في نفقات العائلة. والظروف الصعبة من جهتها، يقول المصدر، لعبت دورا في تكريس جهل شباب اليوم لتاريخ بلاده، فرغم وجود مجهود كبير بذلته الدولة لتوصيل قيم الثورة، لكن النتيجة غير ملموسة، بعد أن أصبحت اهتمامات شباب اليوم مادية بالدرجة الأولى، إذ صار العديد من الشباب يهتم بالتجارة، بحثا عن الكسب السهل. وفحوى القول هو أنّ الوضع أصبح يتطلب عمليات تحسيس واسعة، وهذا ما يجب اغتنامه في ظل ظهور عدة قنوات تلفزيونية، يختم المؤرخ حديثه.