إقرار الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، أمس، بالجرائم التي اقترفتها بلاده ضد اليهود من خلال حملات التوقيف التي طالتهم يومي 16و 17 جويلية 1942 بميدان سباق الدراجات الشتوي بباريس، يفتح الباب أمام جملة من التساؤلات عن كيفية تعاطي الوافد الجديد إلى الاليزيه مع قضية الذاكرة في الجزائر في الوقت الذي أبدى فيه نية للذهاب بعيدا بالعلاقات الثنائية من خلال طي صفحة الماضي. فقد كتب هولاند في مقدمة كتيب نشرته الرئاسة الفرنسية بمناسبة إحياء الذكرى ال70 لهذا الهجوم ضد اليهود، الذين تم اقتيادهم إلى معتقلات الموت، أن ما ارتكب في حقهم يعتبر "جريمة مقترفة في فرنسا بفرنسا". أكثر من ذلك، ذهب إلى حد التأكيد على عزمه الكبير على مطاردة المعادين للسامية. كان الرئيس الاسبق جاك شيراك أول من اعترف بهذه الجرائم سنة 1995، حيث أشاد هولاند في نفس الكتيب بمبادرة شيراك التي وصفها بالشجاعة، مضيفا أن هذه الجريمة تعتبر خيانة لمبادئ فرنسا شرفها. ورغم أن خرجة الرئيس هولاند لم تختلف عن سابقيه من خلال اعتماد سياسة الانتقاء في تقديم الاعتذار لمستعمرات دون أخرى، في الوقت الذي تم فيه تمجيد الاستعمار في الجزائر، إلا أنه يمكن استقراء مؤشرات الامل في تصريحاته بخصوص الماضي التاريخي في الجزائر. تبين ذلك من خلال إشارات التودد التي أطلقها قبل اعتلائه سدة الحكم، حيث سبق أن أعلن عن مساندته في أكتوبر 2011 لمبادرة جمع التأييد لحث فرنسا على الاعتراف بجرائمها الاستعمارية في حق الجزائريين في أحداث اكتوبر 1961، رغم انه رفض إجبار فرنسا على الاعتذار عن جرائمها لأي جهة، علما أن المبادرة استقطبت تأييد أكثر من 4 آلاف شخصية فرنسية رسمية وغير رسمية. ويعتبر موقف هولاند موقفا متقدما مقارنة بموقف الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي سبق أن صرح أن الأبناء لا يتحملون ما قام به أجدادهم وآباؤهم. كما تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى زيارة قادت فرنسوا هولاند إلى الجزائر سنة 2010، والتقى حينها بالرئيس الراحل أحمد بن بلة وغيره من السياسيين، وقال خلالها "أنا صديق الجزائر، ويجب أن تربطها مع باريس علاقات استثنائية نظراً للتاريخ المشترك بينهما". وإذ لا يمكن المراهنة على الإقدام على خطوات أكبر في مجال اعتراف باريس بالجرائم الاستعمارية على المدى القريب على الاقل بالنظر لحساسية الموضوع بالنسبة لبعض دوائر القرار في فرنسا، إلا أن هولاند قد أبدى نظرة جديدة بخصوص هذه المسألة دون إثارة الحزازات التي تؤثر على العلاقات الثنائية. ذلك ما تجلى في الرسالة التي وجهها إلى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة بمناسبة الذكرى ال50 لعيد الاستقلال، حيث أشار إلى أن "هناك مكانا لنظرة مسؤولة" لفرنسا إلى ماضيها الاستعماري، مضيفا في هذا الصدد لقد "أصغيت إلى دعوتكم في الثامن من ماي الماضي إلى قراءة موضوعية للتاريخ، بعيدا من حروب الذاكرة"، إن "الفرنسيين والجزائريين يتقاسمون مسؤولية واحدة هي (مسؤولية) قول الحقيقة". في المقابل كان الرئيس بوتفليقة قد دعا الرئيس الفرنسي في برقية تهنئة، بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني لبلاده لإخضاع الماضي بين الجزائروفرنسا لفحص حصيف وشجاع، يساهم في تعزيز أواصر الاعتبار والصداقة بين البلدين، من خلال التخلص من أدران الماضي. وتتمسك الجزائر بمطالبة الحكومة الفرنسية بشأن الاعتراف بالجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي خلال احتلاله للجزائر في الفترة الممتدة بين عامي 1830 و1962، حيث سبق لوزير المجاهدين محمد الشريف عباس، أن أكد قبل أيام قليلة من زيارة وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس لبلادنا، أن الجزائر تنتظر الأفعال لا الأقوال من الرئيس الجديد في قصر الاليزيه، مشيرا إلى أن تصريحات هولاند، التي أدلى بها أثناء الحملة الانتخابية في أفريل الماضي بهذا الشأن مشجعة. لعل في التصريحات المتفائلة لهولاند ما يشجع على التمسك بالمطالبة بتقديم الاعتذار من قبل أطراف في الجزائر، حيث قال النائب عن حزب جبهة التحرير الوطني موسى عبدي صاحب اقتراح قانون تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر خلال العهدة التشريعية الماضية، إن مضمون رسالة فرانسوا هولاند الأخيرة إلى الرئيس بوتفليقة "مشجعة على إحداث نقلة نوعية في العلاقة الثنائية بين البلدين. وأن هولاند "معروف بتعاطفه مع الجزائر، ولذلك فالسياسة الفرنسية مقبلة على تطور وانفتاح من أجل تجاوز ترسبات الحقبة الاستعمارية وعقدة التاريخ المشترك بين البلدين". رهان تقديم فرنسا اعتذارها للجزائر يستند إلى الحركية التي تشهدها الساحة السياسية بباريس سواء اليسار الفرنسي أو الحزب الاشتراكي أو الحزب الشيوعي أو الحزب الجديد المناهض للراسمالية، حيث دعت هذه القوى مؤخرا إلى اعتراف فرنسا بشكل رسمي بجرائمها في الجزائر. إلى أن يحين موعد الاعتراف فإن المهمة ستكون بلا شك صعبة لهولاند الذي سيكون مضطرا لان يأخذ بعين الاعتبار حسابات توازنات السلطة في باريس بعض الاطراف التي لها مواقف متباينة بخصوص مسألة تطبيع العلاقات مع الجزائر.