رغم مرور 11 سنة عن هجمات 11 سبتمبر 2001 بالولاياتالمتحدةالامريكية، مازال الحدث يطرح الكثير من الاستفهامات بخصوص الاطراف المسؤولة عن هذه التفجيرات التي مست عقر دار أعتى قوة في العالم، في الوقت الذي لم يستبعد فيه 36 بالمائة من الامريكيين إمكانية تورط دولتهم فيما حدث. وبغض النظر عن طبيعة هذه التفجيرات التي تصنف في خانة الانشطة الإرهابية، فإن مفاهيم كثيرة تغيرت بخصوص هذه الظاهرة المتنامية التي أثبتت أنها لا تخص دولة دون أخرى. وبعيدا عن الحسابات السياسية التي كانت وراء هذه التفجيرات العنيفة التي راح ضحيتها 2740 شخصا في نيويورك، إضافة إلى أشخاص آخرين قتلوا في مقر وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وشانكسفيل بولاية بنسلفانيا، فان البحث عن الوسائل الكفيلة بالتصدي للتهديد الارهابي قد أصبح أكثر من ضرورة، بعد وقوع هذه الاحداث، من خلال تبني إجراءات احتياطية ووقائية، وهو ما تم فعلا بإبداء العديد من الدول إرادة واستعدادا أكبر للبحث عن أفضل الوسائل لمجابهة هذه الظاهرة. فإذا كانت نداءات دول قد عانت كثيرا من هذه الافة، كما هو الشأن للجزائر، لم تفلح قبل هذا التاريخ في لفت انتباه المجموعة الدولية إزاء خطورة الظاهرة، فإن احداث 11 سبتمبر كانت كافية لهز عواصم غربية وإعادة حساباتها بخصوص البحث عن تنسيق فعال لمواجهة الارهاب، في الوقت الذي كانت تقدم فيه بعض هذه العواصم امداداتها اللوجيستية من اجل دعم الجماعات الارهابية وتنفيذ مخططاتها انطلاقا من أراضيها تجاه الدول الاخرى. فلم تحرك الاحداث الهمجية التي عاشتها الجزائر خلال العشرية السوداء ضمير المجموعة الدولية التي لم تشعر وقتها بأن الخطر قادم إليها لامحالة، بل كثيرا ما أدارت ظهرها وروجت لأطروحات غير بريئة للتشكيك في طبيعة الأوضاع الداخلية، إلى أن دقت أحداث 11 سبتمبر ناقوس الخطر، معلنة أن أخطبوط الإرهاب الذي كثيرا ما التصق بدول نامية قادر على أن تصل زوائده إلى أي نقطة من العالم. وهو ما ترجمته الزيارات التي قامت بها وفود غربية إلى الجزائر من أجل الاطلاع على تجربتها في مكافحة الارهاب، لا سيما وأنها كثيرا ما نبهت الى ضرورة إقامة تعاون دولي من أجل التصدي لها بالدعوة إلى تبادل المعلومات وتعزيز التنسيق في المجال الأمني وإقامة مؤتمرات دولية للتحسيس بخطورتها. وبهذا كانت الجزائر أفضل شريك للتعاون في هذا المجال سواء بالتصدي للجماعات الارهابية من خلال العمل العسكري أو باصدار القوانين الحاقنة للدماء، بدءا بقانون الرحمة مرورا بقانون الوئام المدني ووصولا إلى المصالحة الوطنية، التي استطاعت بقدر كبير أن تعيد الأمن والاستقرار إلى البلاد. ورغم تحسن الظروف الامنية، إلا أن الجزائر لم تدخر جهودها من اجل التاكيد على ضرورة الاحتياط من هذه الظاهرة التي لابد ان تستأصل من جذورها، من خلال اقامة مبادرات على المستوى الإقليمي والدولي من أجل حث بقية الدول على الانضمام إلى مسعى محاربة الافة، كما هو الشأن للندوة الدولية حول الشراكة والأمن والتنمية بين دول الميدان (الجزائر - مالي - موريتانيا والنيجر) والشركاء خارج الإقليم التي احتضنتها الجزائر شهر سبتمبر من السنة الماضية، حيث تم خلالها التنبيه إلى أهمية تحقيق التكامل بين استراتيجيات الدول في مجابهة ثالوث الارهاب والجريمة المنظمة والفقر لما لعناصره من علاقة ترابطية. وتم في هذا الصدد الدعوة إلى تعزيز آليات الدفاع ضد الإرهاب وكذا مناهج العمل، من خلال توقيف الارهابيين وتجريد تحركاتهم من أية مصداقية وأن يكون لجميع الدول تشريع شامل لمكافحة الإرهاب، وذلك على ضوء التطورات التي شهدتها بعض الدول العربية، لا سيما الجارة ليبيا حيث ظهر مشكل تفشي الاسلحة غير الشرعية الذي طالما نبهت بخصوصه الجزائر وهو ما تسبب في الاوضاع الخطيرة التي تشهدها منطقة الساحل. وقد أيدت العديد من الدول الشريكة هذا الانشغال وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالامريكية، حيث عبر مسؤولوها الذين زاروا الجزائر عن اهمية الاسراع في وضع حد لانتشار الاسلحة، لما له من تداعيات خطيرة على المنطقة. بالاضافة الى مساندتهم لمطلب منع الفدية لاضعاف نشاط الجماعات الارهابية. وقد أدركت الولاياتالمتحدة اهمية هذه التحديات من خلال اطلاقها للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب الذي تعد الجزائر أحد اعضائه المؤسسين بنيويورك، حيث اشارت بلادنا خلال هذا المنتدى إلى أن مكافحة الإرهاب ممكنة بفضل عزيمة والتزام دول المجموعة الدولية، وأن هذا المنتدى يضع لبنة هامة في الهندسة العالمية لمكافحة هذه الآفة، ويسمح بالمساهمة في تعزيز جهاز الأمن الدولي وضمان السلم والاستقرار والتنمية للعالم. من جهة أخرى، فان المقاربة الأمنية والسياسية للجزائر حيال منطقة الساحل جنوب الصحراء ما فتئت تسجل انتصارات في الميدان أمام المقاربات الأخرى في إطار التنافس الدولي على هذه المنطقة لاسيما منه الفرنسي الأمريكي. ولم يثن هذا التنافس المحموم على المنطقة الجزائر عن إثبات صحة مقاربتها لاستقرار الساحل الإفريقي وتنميته. ولعل أسس هذه المقاربة هي التي شكلت قوة الرؤية الجزائرية في التعاطي مع التنافس الفرنسي-الأمريكي حيث ترفض صراحة التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول تحت أي غطاء حتى ولو كان محاربة الإرهاب، مؤكدة على خيار التعاون في أشكاله الفنية والعسكرية والتنموية. وامام هذه المعطيات الايجابية تعمل الجزائر على نقل هذه التجربة الى المستوى المغاربي لاسيما وان افرازات ثورتي تونس وليبيا مازالت تلقي بظلالها على المنطقة ككل. وهو ما تجلى في احتضانها لاجتماع وزاري مغاربي لبحث قضايا الامن، في سياق استحداث رؤية جديدة بخصوص العمل المغاربي المشترك وذلك على ضوء الأحداث الأخيرة التي عرفتها بعض دول الجوار وافرازاتها، من أجل التصدي لمختلف الآفات المتمخضة عن اللااستقرار الذي يهدد أمن المنطقة المغاربية. ومثل هذه المبادرات تندرج في اطار متابعتها لسلسلة التطورات الامنية على المستويات الاقليمية والجهوية، لاسيما وان الموقع الاستراتيجي للمغرب العربي وانفتاحه على كل اشكال التهديدات الامنية، كفيل بتطوير استراتيجيات تكاملية للتصدي لهذا التهديد. ومن هنا يمكن القول ان الحركية التي يشهدها النشاط السياسي والامني للتحسيس بخطورة الارهاب، ما كانت لتكون بهذا النحو لولا احداث 11 سبتمبر، اذ رغم انها مازالت تحمل الكثير من الغموض إلا أن فظاعتها قد غيرت مسرى التعاطي مع الظاهرة بغض النظر عن مقترفيها.