تندرج دعوة الجزائر لعقد اجتماع وزاري مغاربي بالجزائر لبحث قضايا الامن، في سياق استحداث رؤية جديدة بخصوص العمل المغاربي المشترك وتوفير الأجواء الملائمة لعقد القمة المغاربية المنتظرة قبل نهاية العام الجاري، ولعل في الأحداث الأخيرة التي عرفتها بعض دول الجوار وافرازاتها، ما جعل الجزائر تدق ناقوس الخطر من أجل التصدي لمختلف الآفات المتمخضة عن اللااستقرار الذي يهدد أمن المنطقة المغاربية. ورغم ان فكرة عقد مثل هذا اللقاء من اجل التباحث عن المسائل الامنية جديدة من حيث الصيغة، إلا ان الجزائر سبق وان طرحتها خلال الاجتماعات المغاربية السابقة على ضوء قناعتها بأن الموقع الاستراتيجي للمغرب العربي وانفتاحه على كل اشكال التهديدات الامنية، كفيل بتطوير استراتيجيات تكاملية للتصدي لهذه التهديدات التي لا تنحصر فقط في ظاهرة الارهاب بل تتعداها الى الاتجار بالمخدرات والجريمة المنظمة. وبما ان للجزائر تجربة في مجال تنسيق المواقف في مجال التعاطي مع القضايا الامنية اذ نستشهد في هذا الصدد بتجربة مكافحة الارهاب والجريمة المنظمة في منطقة الساحل، فإنها ترى انه من الضروري ان يتعزز مفهوم التصدي لهذه الآفات بين دول المغرب العربي حتى يتسنى ارساء استراتيجيات تنموية فعالة. وانطلاقا من قناعة الجزائر بأن تعزيز النزعة التضامنية بين دول المنطقة يجب ان يقوم على أقصى درجات الإحساس المشترك بالتهديدات الامنية، بغض النظر عن اختلاف مستوياته بين دولة إلى أخرى، فإنها ترى ضرورة الاندماج الفعال في المقاربات الأمنية الإقليمية برهاناتها المشتركة مع تعزيز دول المنطقة لثقتها في قدراتها الإقليمية أو كما تصفه الدبلوماسية الجزائرية بنضوج الإمكانيات الأمنية لدول المنطقة دون الحاجة إلى تدخل أطراف خارجية. كما يرى المتتبعون ان المقاربة الأمنية والسياسية للجزائر حيال منطقة الساحل جنوب الصحراء ما فتئت تسجل انتصارات في الميدان أمام المقاربات الأخرى في إطار التنافس الدولي على هذه المنطقة لاسيما منه الفرنسي الأمريكي. ولم يثن هذا التنافس المحموم على المنطقة الجزائر من إثبات صحة مقاربتها لاستقرار الساحل الإفريقي وتنميته. ولعل أسس هذه المقاربة هي التي شكلت قوة الرؤية الجزائرية في التعاطي مع التنافس الفرنسي-الأمريكي حيث ترفض صراحة التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول تحت أي غطاء حتى ولوكان محاربة الإرهاب، مؤكدة على خيار التعاون في أشكاله الفنية والعسكرية والتنموية. وامام هذه المعطيات الايجابية تعمل الجزائر على نقل هذه التجربة الى المستوى المغاربي لاسيما وان افرازات ثورتي تونس وليبيا مازالت تلقي بظلالها على المنطقة ككل. وسبق التنبيه الى ذلك خلال الندوة الدولية حول مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة في بلدان الساحل شهر سبتمبر الماضي، لا سيما امام تنامي ظاهرة تفشي الاسلحة غير الشرعية ووقوعها بين ايدي الارهابيين، الى جانب انتشار الآفات الاخرى على ضوء الفوضى التي يعيشها هذا البلد. والمؤكد ان هذا الواقع جعل وزراء خارجية الاتحاد الذين اجتمعوا اول امس في الرباط المغربية يستجيبون لدعوة الجزائر لعقد هذا الاجتماع، حيث اشار وزير الخارجية السيد مراد مدلسي الى انه ''لابد من ان نتجند من اجل ضمان استقرار المغرب العربي بشن كفاح ضد كل الآفات خاصة ضد الجريمة المنظمة العابرة للحدود وضد الاخطار التي تهدد المنطقة''.