لا يزال الخلاف قائما حول موضوع نظافة المساجد وعلى من تقع المسؤولية، لا سيما وأن الظاهرة عرفت انتشارا، فإذا كان قيم المسجد يلقي بها على عاتق بعض المصلين الذين في أغلب الأحيان تغيب فيهم أدنى أخلاقيات النظافة، فإن المصلين بدورهم يوجهون أصابع الاتهام بالتقصير في أداء الواجب إلى القيم الذي في معظم الأوقات لا يؤدي دوره كاملا... على الرغم من اجتماع آراء كل المصلين وغير المصلين على وجوب الاعتناء بنظافة المسجد، على اعتبار أنه المكان المقدس الذي تباشر فيه مختلف العبادات، فإن تجسيد هذا المبدأ على أرض الواقع يظل غائبا، وهو ما لمسناه من خلال الزيارة التي قمنا بها لبعض مساجد العاصمة، حيث يظهر بشكل واضح الإهمال واللامبالاة في ظل الهروب من المسؤولية وإلقائها من البعض على البعض الآخر.. ويظهر ذلك حاليا في تصريح احدى المرشدات بمسجد الأبيار، إذ تقول: » نعمل دوما جاهدين ونحرص على أن يظل المكان نظيفا، لكوننا نتواجد بصفة دورية لتقديم الدروس والإشراف على الحلقات الدينية، ولكن النصح والإرشاد لا يجد في أغلب الأحيان الآذان الصاغية لدى المصلين، فبمجرد غيابنا عن المكان تعم الفوضى التي تبدو ميزة دائمة في المساجد التي تغيب عنها المرشدات الدينيات«. في نفس الاتجاه ،تقول السيدة حفيظة وهي مسؤولة النظافة في نفس المسجد، »لقد تطوعت لخدمة بيت الله محتسبة الأجر عند ربي، ولكنني أتأسف كثيرا للحالة التي آلت اليها المساجد في الوقت الراهن«. مضيفة »على الرغم من حرمة المكان إلا أن بعض المقبلين عليه أصلحهم الله لا يلتزمون بأدنى شروط النظافة، إذ تجدهم يأكلون فوق سجاد الصلاة مخلفين وراءهم بقايا الطعام على اختلاف أنواعه كالفتات والقشور والعلب والأكياس... بل هناك من يقلم أظافره ويدسها تحت السجاد«. تسكت محدثتنا قليلا ثم تستطرد »أما عن دورات المياه فالحديث عنها يثير الاشمئزاز لكثرة الأوساخ والروائح الكريهة التي تنبعث منها، وهو ما جعلها مرتعا لبعض الحيوانات الخطيرة كالفئران«. ... وفي خصم الحديث تتذكر حادثة وقعت لها عندما كانت تقوم بالتنظيف في دورة المياه فتقول »في يوم وجهت ملاحظة لإحدى السيدات بأن تنزع حذاءها لكونه غير نظيف وتلبس "البلغة" على اعتبار أنها تنوي الصلاة، فما كان منها إلا أن اعترضت على الأمر وحاولت الاعتداء علي بالضرب، هذا دون الحديث عن الكلام غير اللائق الذي يوجه الي من بعض اللواتي لا يتوفر لديهن أدنى مستوى من الأخلاق«. كما تشهد مساجد أخرى صورا أخرى لانتهاك حرمة المسجد، منها كثرة المتسولين الذين يعتبرون المسجد المكان الأفضل للاسترزاق، فيجلسون أمام جدرانه وعلى السلالم، وأكثر من هذا يعتبرون دورات المياه بمثابة أماكن لتغيير ثيابهم وحتى لأخذ حمام لهم ولأولادهم مخلفين وراءهم فوضى عارمة بالمكان. ولم يتردد شاب مداوم على صلاة الجماعة بمسجد "ابن باديس" في التعبير عن استيائه الشديد من حالة الإهمال التي تعيشها المساجد، ويضرب في ذلك مثلا عن السجاد الذي تنبعث منه روائح كريهة.. مشيرا الى ضرورة غسله مرتين على الأقل في الشهر.. علما أن هناك من يجلب سجاده الشخصي من البيت للصلاة عليه بسبب الحالة المزرية للسجاد في المساجد. كما تحدث الشاب عن صورة اهمال أخرى تتمثل في المياه المتدفقة في بيت الوضوء، والتي يسببها بعض المصلين عند شروعهم في الوضوء وذلك لعدم تجفيف المكان من طرف المعنيين بصفة دورية.... بالمقابل تعاني مساجد أخرى من الانقطاعات المتكررة للمياه، وهو ما يضطر البعض الى البحث عن الماء في الجوار، مما يؤدي الى التأخر في أداء الصلاة وهو ما تشتكي منه خاصة النساء إذ يتعذر عليهن الحصول على الماء وبالتالي الحفاظ على وقت الصلاة. وإذا كان بعض المصلين يعيبون على القيم عدم أداء واجباته على أكمل وجه ويحملونه مسؤولية مثل هذه المظاهر، فإن هذا الأخير بدوره يعيب على أغلب المصلين عدم التزامهم بأدنى شروط النظافة رغم أنهم يقبلون على الصلاة، وذلك من منطلق اختلاف أخلاق وطبائع الناس. مشيرا الى المقولة الشعبية المعروفة وهي "من شب على شي شاب عليه" أي أنه اعتاد على سلوك معين فمن الصعب تغييره، خاصة إذا كان هو في حد ذاته لا يبذل جهدا لتغييره. ويرى أحد القائمين على المسجد الذي تحدثنا اليه، أن المسجد للجميع وليس حكرا على الإمام أو القيم فقط، وأن النظافة أساس الدين، وحتى يظل المسجد نظيفا فإن المسؤولية تقع على عاتق الجميع المطالبين باحترام حرمة المكان والتحلي على الأقل بالحد الأدنى للنظافة، ويتأسف لمناقشة موضوع ينبغي أن لا يطرح أساسا في مكان مثل المسجد. أما من جانبنا، فنتساءل كيف يمكن لوزارة الشؤون الدينية أن تطرح فكرة ومبادرة "المسجد والبيئة" من خلال تأكيد سعيها الى اقحام المسجد في حملات التوعية الخاصة بالمحافظة على البيئة، في وقت تنتشر المظاهر السالفة الذكر في أغلب مساجدنا؟