اعتلى ديمتري ميدفيداف أمس كرسي الرئاسة في قصر الكريملين في موسكو ليكون أصغر رئيس يحكم فيدرالية روسيا ثاني أكبر دول العالم وهو لم يتعد سن 42 عاما. وتسلم ميدفيداف صباح أمس مهامه من سابقه وصديقه الحميم فلاديمير بوتين ليتم من خلال ذلك تكريس فكرة تشبيب القيادات الروسية في تعارض واضح مع السياسة التي ميزت الدولة السوفياتية المنهارة التي كانت تجعل من كبر سن رؤسائها معيارا حاسما لادارة شؤونها. ولكن الثنائي القوي الجديد في موسكو بوتين ميدفيداف قلب تلك المفاهيم ضمن سياسة التكيف التي انتهجتها روسيا الفيدرالية منذ انهيار المعسكر الشيوعي واقتناع قادتها بضرورات احداث تغييرات جذرية ليس فقط في طبيعة النظام ولكن ايضا في أنماط التسيير والأشخاص الذين يضطلعون بهذه المهمة لتحقيق هدف واحد، الابقاء على تنافسية الدولة الروسية في ظل النسق الدولي الجديد الذي تسعى الولاياتالمتحدة الى تزعمه دون اقتسام للصلاحيات. وإذا كان الرئيس الأسبق بوريس ايلتسين حاول التعامل مع المعطيات التي أعقبت انهيار الدولة السوفياتية ببراغماتية جديدة بعيدة عن ايديولوجية الفكر الشيوعي الثوري الا أن النقلة النوعية في طبيعة الحكم الروسي كرسه الرئيس المنتهية عهدته فلاديمير بوتين. وتمكن هذا الأخير أن طيلة عهدته السباعية من إعادة روسيا الى الواجهة الدولية بعد كبوة عدة سنوات التي تلت فترة نهاية الحرب الباردة وفسحت المجال واسعا أمام الولاياتالمتحدة لتكون العازف المنفرد على سنفونية عالمية متغيرة بسرعة التغيرات التي عرفها العالم لما بعد انهيار منطق المعسكرات الايديولوجية. وحتى وإن رحل بوتين من قيادة روسيا إلا أن استمرارية سياسته ستتواصل بنفس المقاربات التي رسمها خلال فترة خليفته الشاب على اعتبار انه سيكون وزيره الأول، ومن وموجهه في تنفيذ الاستراتيجية العامة الرامية الى تمكين روسيا من التموقع من جديد في قمة الفاعلين الرئيسيين في السياسة الدولية اقتصاديا ولكن ايضا عسكريا. وحتى وإن أكد عارفون بخبايا الحياة السياسية الروسية أن الوافد الجديد على الكريملن أكثر معاصرة وأكثر جرأة من سابقه ولكنهم يجمعون القول أن ميدفيداف يبقى في النهاية نتاج النظرة "البوتينية"، للحكم في روسيا على اعتبار أنه كان أكبر سند ومدافع عنه حتى وصوله الى المنصب الذي أصبح يشغله منذ أمس. والأكثر من ذلك أن بوتين حتى وإن غادر رئاسة الكريملين فإن ظله سيبقى حاضرا في مقر الرئاسة ورئاسة الحكومة على اعتبار قيادته للطاقم الحكومي القادم وبما يعطي لقطبي الحكم في روسيا، الرئاسة والوزارة الأولى الانسجام المطلوب لمواصلة الإصلاحات والعودة إلى ساحة دولية قاسمها المشترك التنافسية الجهنمية بين قواها الرئيسية لاقتسام الأسواق الدولية بعد أن أصبح المال والاقتصاد العاملان الرئيسيان للحكم على قوة الدول بعد أن تزحزح عامل القوة العسكرية إلى المرتبة الثالثة بانتهاء حرب المعسكريين الباردة. ولكن وحتى وإن سلّمنا بمزايا بوتين على خليفته فإن ميدفيداف سيسعى طيلة عهدته إلى تأكيد شخصيته السياسية المستقلة ودحض مقولة بعض خصومه أنه سيكون ظل بوتين في حكم روسيا.