انتقل وزير الدفاع والخارجية الأمريكيين أمس، إلى روسيا في زيارة غير مسبوقة في محاولة لترتيب الكثير من النقاط الخلافية التي عكّرت أجواء الود التي ميزت العلاقات الأمريكية الروسية منذ وصول الرئيس فلاديمير بوتين الى سدة الحكم في قصر الكريملين· وتعد زيارة كوندوليزا رايس وروبرت غيتس إلى موسكو بمثابة مؤشر على رغبة ثنائية روسية أمريكية لإعادة ضبط القضايا الخلافية بينهما أياما قبل ذهاب الرئيس بوتين ومجيئ خليفته ديمتري ميدفيداف إلى سدة الحكم في روسيا· وتلتقي رايس وغيتس مع أقوى رجلين في هرم السلطة الروسية لبحث مسائل سياسية وأخرى عسكرية بين أقوى دولتين في العالم· وتسعى الإدارة الأمريكية إلى جس نبض الرئيس الروسي الجديد ديمتري ميدفيداف شهرين قبل استلامه لمهامه الرسمية في موسكو حول العديد من القضايا الدولية التي تهم الدولتين بالإضافة إلى بحث مسألة الرفض الروسي الصريح لمشروع الأمريكي الخاص بإقامة درع صاروخي في جمهورية التشيك وبولونيا لصد أية هجمات صاروخية معادية· وتعقد رايس وغيتس لقاءً مماثلا مع الرئيس فلاديمير بوتين لبحث ذات القضايا وخاصة وسط تأكيدات باحتمال تولي هذا الأخير منصب الوزير الأول وبالتالي بقاء تأثيره في رسم السياسة الروسية· كما أن الزيارة تأتي في وقت ما زالت فيه تداعيات استقلال إقليم كوسوفو تلقي بظلالها على العلاقات الروسية الغربية وسط تهديدات بتأجيج الوضع في كل منطقة البلقان التي تمر هذه الأيام بأخطر أزمة فيها منذ حرب البوسنة سنة 1995· وتعتبر موسكو أن إعلان هذا الاستقلال من جانب واحد وبدعم وتحريض من واشنطن ومختلف العواصم الأوربية يعتبر ضربة قوية لسيادة صربيا أكبر حلفاء روسيا في المنطقة· وقال متتبعون لمراحل التوتر التي طبعت العلاقات الروسية الأمريكية أن الثنائي رايس وغيتس سيعمل خلال هذه الزيارة على اقناع السلطات الروسية بالموافقة على إقامة الدرع الصاروخي في بولونيا وجمهورية التشيك والتأكيد لها أن الهدف من إقامته يبقى صد صواريخ دول أخرى وخاصة الصواريخ الباليستية الإيرانية· ولكن هذا الخطاب لم يرق إلى درجة إقناع موسكو التي رأت فيه تهديدا مباشرا لأمتها ووجه آخر لحرب باردة غير معلنة، وذهب الرئيس فلاديمير بوتين الى حد التهديد بالدخول في هذه الحرب وجسد ذلك من خلال إعطاء الاشارة للطائرات الاستراتيجية الروسية بالتحليق ثانية وتحرك الأساطيل الروسية وإجرائها لمناورات بحرية واسعة في عرض مياه الأطلسي· وهي القرارات التي اعتبرها متتبعون بمثابة انذار روسي ضمني للدول الغربية والولايات المتحدة تحديدا بعدم المغامرة بتهديد مصالحها في مختلف مناطق العالم· وقالت وزيرة الخارجية الأمريكية، أن الهدف من زيارتها إلى موسكو يبقى معرفة مدى قدرتنا على توضيح بعض الأفكار التي سبق أن ناقشناها مع المسؤولين الروس خلال زيارتنا الماضية في أكتوبر من العام الماضي· وحاولت رايس حينها إقناع نظيرها الروسي سيرغي لافروف "بتأجيل" موعد نصب بطاريات الصواريخ المضادة للصواريخ لبعض الوقت وإلى غاية التأكد من حقيقة التهديدات الإيرانية وهو ما وصفته موسكو في حينه ب"المبررات الواهية"، من منطلق قناعتها بعدم وجود تهديد إيراني فعلي يستدعي نصب تلك الترسانة على حدودها· وهو الموقف الذي يجعل مهمة الثنائي السياسي والعسكري الأمريكي، رايس وغيتس صعبة إن لم نقل مستحيلة رغم التفاؤل الذي أبداه وزير الدفاع الأمريكي بإمكانية تليين موسكو لموقفها إزاء الدرع الصاروخي، وهو الاعتقاد السائد خاصة وأن الكثير من الملاحظين أكدوا أن مواقف الرئيس الروسي الجديد الذي سيستلم مهامه في السابع ماي القادم سوف لن تكون مغايرة لسابقه فلاديمير بوتين الذي دعم ترشيحه لخلافته، ولذلك فإن المشروع العسكري الأمريكي يمكنه الإنتظار طويلا إن لم نقل الرفض الصارم من موسكو!