مسرحية «وصية ميت» تلغي معنى القول المأثور الجزائري المعروف؛ «ماذا يفعل الميت في يدي غاسله»، وقد فارق الحياة وأسلم روحه إلى بارئه، فتسقط القاعدة مع «باسل» الذي توفي وترك وصية حيرت غاسله وأدخلته في صراع مع نفسه وجعلت أمر غسله يتأخر إلى حين. دخل الجمهور البجاوي عبر مسرحية «وصية ميت» للمخرج الفرنسي ريشارد ديمارسي، التي عرضت في إطار فعاليات المهرجان الدولي للمسرح ببجاية، في رحلة بحث تأبى أن تنتهي بسبب لغز الوصية المحير، وفي قالب مونودرامي ساخر، قدم الممثل المسرحي باديس فضلاء العرض، وتمكن من أن يجسد تفاصيل نص الكاتبة المسرحية نجاة طيبوني وفق تقلبات النفس البشرية الشريرة والخيرة. «الطاهر» يعمل غسالا للموتى، يتصف بالتواضع والاستقامة وطموحه غير العادي بمستقبل أكثر رفاهية ورخاء، وبين هاتين الصفتين يحتدم الصراع على أشده بسبب وصية ملغمة تركها الميت «باسل» في جيبه، يطلب فيها بشق صدره واقتلاع قلبه وحرقه مقابل مبلغ مالي خيالي قدره مائتي مليار، وهو مبلغ كان وقعه غير عادي على الطاهر الذي أغري بالمال، وبدأ يحلم بالثروة التي ستنزل عليه وفتحت عينيه على ملذات العيش بلقب الغني بدل العيش بلقب «غسّال»، وهذا إذا ما رضخ للوصية. وتساءل الجمهور ماذا سيفعل الغسال بوصية الميت المغرية، هل يتنازل الطاهر عن مبادئه من أجل الثروة، هل يقاوم هذا الرجل الفقير إغراءات الميت، هل يقدر على شق صدر ميت وحرق قلبه، من سينتصر في الأخير، وبعد تجاوز الصراع بين قبول الوصية ورفضها، بين أن تستمر حياة الطاهر بضمير ميت أو العيش مرتاح البال، يحسم اختياره في أن يبقى غسّالا يؤدي مهمته الإنسانية في الحياة بتطهير جثث الموتى من دنس الدنيا قبل أن تسكن جوف الأرض. وفي هذا السياق، أبدى المخرج الفرنسي ريتشارد ديمارسي في مناسبات إعلامية عديدة إعجابه بنص نجاة طيبوني التي كتبت نصوص العديد من المسرحيات الجزائرية، على غرار «حتى لتم»، مشيرا إلى أن العمل المسرحي «وصية الميت»، يملك القدرة على تصوير قصة خيالية، كما في الأساطير، وأن شعاره هو تسخير كل الإمكانيات لصالح الممثل والشخصيات، إذ تلعب الموسيقى، الإضاءة، الصوت وفن الحركة كلها دورا في بناء العمل المسرحي، ودعا ديمارسي إلى أن يكون الاهتمام بالمسرح واسعا، سواء من قبل وزارة الثقافة، وذلك بتشجيع الإنتاج المسرحي ودعم المسارح الجهوية، أو من قبل الجمهور. أما بالنسبة لباديس فضلاء، فقد قدمت له الكاتبة نجاة طيبوني النص منذ سنتين، غير أنه لم يتحمس لمسرحته بسبب موضوعه المعقد، والذي يتحدث عن ميت، ويضعه في الخشبة، وأضاف فضلاء أن ذلك كان بالنسبة له صعبا جدا، لكنه سرعان ما غير رأيه حين التقى ريتشارد ديمارسي في مسرح بفرنسا، وجعله يرى النص بنظرة إخراجية أخرى، إذ أنه يغوص في المجتمع ويشرحه تشريحا عميقا ودقيقا. مبعوثة «المساء» إلى بجاية: دليلة مالك