أعاد العيد السابع للكسكسي والعجائن التقليدية المنظم بدار الثقافة لمدينة ميلة إلى الأذهان تلك المكانة الأزلية التي ما فتئ يحتلها هذا الطبق التقليدي العريق في أذهان ومعدة الجزائريين لدرجة أصبح يشكل معها اليوم مورد رزق لكثير من العائلات. سكسو أو الطعام أو البربوشة أو النعمة تسميات مختلفة لطبق واحد ومتعدد في الآن نفسه من حيث أشكال تحضيره وطهيه بين هذه المنطقة وتلك من ربوع الجزائر الشاسعة. وأرجع الباحث الأثري عمار نوارة في مداخلة له خلال ندوة دراسية على هامش هذه التظاهرة بمتحف المجاهد، تاريخ الكسكسي إلى العصور الغابرة من فجر التاريخ كما تدل على ذلك الفخاريات وبالأخص منها أواني الكسكاس الفخارية إضافة إلى الرسومات المكتشفة على الأواني والتي وجدت بمنطقة شمال إفريقيا و تعود للفترة 238 إلى 149 قبل الميلاد. وعرف الكسكسي كما أكد نفس الباحث بأنه أكلة بربرية بامتياز مرتبطة بالطابع الحبوبي الغذائي للمنطقة وذلك ما أبرزته من جهتها الأستاذة ليلى بن عطا الله من معهد التغذية والتغذي لجامعة منتوري بقسنطينة. واعتبرت الأستاذة أن الكسكسي غذاء كامل ومتكامل لجمعه بين السميد المفتول والمفور وبين البقول الجافة مثل الحمص والفول في بعض الحالات وكذا الخضار بأنواعها بغض النظر عن اللحوم. وذلك ما يمنح الطبق كما تضيف توازنا يفيد بمدى إطلاع الأجداد في مجال تحقيق القيمة الغذائية انطلاقا من توظيف المواد الغذائية المتاحة أمامهم. وقدمت نفس المتدخلة بالمناسبة عرضا عن تجربة تحضير كسكسي بدون غلوتين لصالح المرضى الذين يعانون مشاكل في الأمعاء الدقيقة، ويشترك الجزائريون كما استفيد من انطباعات مشاركات في العيد السابع للكسكسي بميلة في منح الطبق مكانة أولى في موائد أفراحهم وأحزانهم وفي شتى المناسبات وحتى بدونها. وتقول السيدة فاطمة حمدادو من ولاية تيزي وزو بأن طبق سكسو وتعني حبيبات السميد المستديرة يجب أن يكون حاضرا مرة في الأسبوع على الأقل بمحضر أفراد العائلة وكثيرا ما يوشح الطبق كما تضيف، بقطع لحم الخروف و القرعة والحميصة واللوبيا القبائلية. وتحترف ذات السيدة كما تقول نشاط إنتاج الكسكسي حتى أن لها تغليفا خاصا بها في دليل يفيد بأن المنتج أصبح يشكل اليوم مورد رزق للكثير من العائلات بهذه المنطقة وغيرها. كسكسي باللحم أو كسكسي بالخضار أو كسكسي بالأعشاب أيضا تقول السيدة مجدوب مريم من ولاية أدرار والتي سبق لها أن فازت سنة 2008 بالجائزة الأولى لعيد الكسكسي بميلة. وتفيد الأعشاب البرية والمحلية التي تضاف لمرق الكسكسي ولا سيما في فصل الشتاء كما تؤكد مريم في استعادة المرأة النافس لقدراتها وعافيتها بسرعة كما تخفف الأعشاب من حدة التوابل المستعلمة فضلا عن تحقيقها لمطلب الذوق والبنة. ووعدت السيدة مريم بتقديم طبق جديد شاركت به في مسابقة أحسن طبق كسكسي المنظمة يوم الأربعاء تاريخ اختتام هذه التظاهرة. ويتناغم الكسكسي كما يتأقلم مع طبيعة كل جهة بالوطن مرادفة لتقاليدها وطقوسها الاجتماعية والغذائية. ففي جيجل الساحلية مثلا تقول سيدة مشاركة يطبخ طبق الكسكسي أيضا بأصناف السمك على غرار الميرو والبوتين وكذا السردين وعادة ما تضفي عليه هذه الأسماك نكهة خاصة تشجع على الانخراط بسرعة في الأكل . أما ميلة المدينة فإنها لا تكاد تذكر إلا مقرونة باسم المحور وهو طبق كسكسي بمرق أبيض يوشح بالبيض المسلوق و لحم الخروف وكريات الكفتة كما تؤكد السيدة طهطال إحدى المشاركات في معرض العيد السابع للكسكسي بميلة.والملفت من جهة أخرى أن منتوج الكسكسي كثيرا ما يعرض محاطا بمواكبة عجائن تقليدية أخرى شهيرة كسكس الشعير والشخشوخة و العيش أو البركوكس والمسفوف. ويحضر الكسكسي في مناطق كثيرة من الصحراء كما تذكر مشاركة أخرى إذ يشكل التمر أيضا أحد مكونات هذا الطبق الأزلي الجزائري. فإضافة قليل من التمر في المرق من شأنه أيضا نزع مرارة التوابل كما يساعد في الطهي السريع للحم. القدر بلا تمر كالمرأة بلا عقل مثال اعتاد سكان الجنوب تداوله لتأكيد هذا المعنى حسب ذات المتدخلة.