لا أدري لماذا كل أحلامي هذه الأيام كوابيس مزعجة تؤرقني، وتؤرق معي من حولي، ولماذا أكون حزينا حتى في الأفراح، وأثناء الولائم، ولماذا أبتسم أحيانا كالباكي، ولماذا كل ضحكة تتلاشى في تجاعيدي، بمجرد الشروع فيها... كانت ليلة الاحتفال بخمسينية الاستقلال ليلة ليست كالليالي، ليلة ضاحكة، زاهية، صاخبة.. ولكي يتم مشهدي مع الأحلام المزعجة وأغرق في حممها، انقطعت عن حينا المتواضع الكهرباء، وعم الظلام، وهبت رياح السموم اللاهبة، وتصبب العرق جارفا معه أي أمل في حلم بهيج ونمت في غفلة مني في بركة من الكوابيس، وخلت نفسي أرقص مع شياطين وعفاريت عراة.. صدى مارق يشق الكون ويشطره أجزاء غير متساوية، رعد يهز كيان الأرض فتبتلع ماعليها.. أمطار طوفانية وأمواه تنهمر من جهة مجهولة، الناس في هذا الجزء من الأرض لا يحسنون السباحة، وهم هالكون لا محالة، تململت في فراشي الرطب وهممت بالنهوض، لكن شيئا ما يشدني إليه، ويشل حركتي، حاولت ثانية فلم أفلح، وفشلت في المشاركة في المظاهرة، قلنا حينها إنها مسيرة سلمية نحو الوكالة الوطنية للكهرباء والغاز، احتجاجا على انقطاع التيار في هذه الليلة، التي كان يجب أن تكون مباركة. ليس من عادتي البكاء، حتى وإن بكيت فلا أقر بذلك وأخفي دموعي، لكن الليلة بكيت بكاء مرا، وكدت ألطم وجهي كما النساء، وأحسست بنقمة لا توصف، وبغيظ كاد يقطع احشائي ويقضي علي، ولا أذكر التفاصيل بعد ذلك، لعلني احتسبت إلى الله أو تضرعت له. وعندما كان خيط النوم يكاد ينسل عني، وكنت حينها بين يقظة ونوم، رأيت المحتجين يعودون أدراجهم مبتهجين، وسمعت أحدهم يحمد الله على انقطاع الكهرباء حتى عن الحفل الرسمي، لكن الخبر غير يقين.