علاقة الطفل بالرسم وطيدة وتظلّ الوسيلة الأقرب إليه ليعبر بها عن عالمه الخاص ونفسيته العميقة، وفي هذا السياق ينظم الفنان التشكيلي لزهر حكار ورشات تكوينية في الرسم للأطفال، على هامش عرضه للوحاته في المتاحف الوطنية ولم يخرج معرضه”عبور في الذاكرة” الذي سيعرف اختتامه شهر فيفري المقبل بالمتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر عن هذه العادة. يتوافد الأطفال رفقة أوليائهم يومي السبت والثلاثاء إلى ورشة الرسم المنّظمة بالمتحف الوطني العمومي للفن الحديث والفن المعاصر. وفي هذا السياق، قال صاحب فكرة الورشة لزهر حكار ل ”المساء” أنّه يرفض عرض لوحاته لمدة طويلة في المتاحف الوطنية من دون تنظيم نشاطات أخرى على الهامش، مضيفا أنّه قرر في وقت سابق تأطير ورشة رسم للأطفال. وأضاف حكار، أنّ أكثر من ألف طفل شارك في هذه الورشة، بالإضافة إلى أوليائهم الذين زاد عددهم على 400 شخص، أمّا عدد زائري المعرض في حد ذاته فزاد على 12 ألف، مشيرا إلى أنّ هذه الورشة تسمح لمؤطريها بالكشف عن متطلبات الطفل النفسية التي تظهر في المواضيع التي يختارها للرسم وكذا الألوان التي يستعملها. وفي هذا السياق، أكّد حكّار أنّه يهتم كثيرا بما يرسمه الأطفال، كما أنّه يتحدّث مع أوليائهم عن ملاحظاته، مضيفا أنّه يكتشف أحيانا أن التوازن النفسي موجود عند الأطفال وليس عند الأولياء، بالمقابل، قدم المتحدث مثالا عن بعض النتائج التي توصل اليها من خلال ملاحظاته، فقال: عندما يرسم طفل غرفة فارغة، فذلك دليل على نقص الدفء العائلي، مضيفا أن كل رسومات الأطفال جيدة، بيد أنه حينما يريد أن يصحح رسمة ما يقوم باعادتها مع الطفل المعني وهكذا يكتشف هذا الأخير عيب رسمه. ولكن هل يشجّع حكار أولياء الأطفال الموهوبين في الرسم لكي يواصلوا في هذه المسيرة رغم صعوبة حياة الرسامين في الجزائر؟ ويجيب حكار أنّه اكتشف مواهب كبيرة في الرسم عند حوالي خمسة أطفال وأخبر أولياءهم بذلك كما نصحهم بتشجيع أطفالهم بعيدا عن المخاوف المستقبلية حول حياة الرسام المحترف، لأنّ للرسم في حد ذاته، فروعا كثيرة مثل الهندسة الداخلية والنحت وتصميم الأزياء وغيرها. من جهته، عبر عزيز دقة عن سعادته الكبيرة بمشاركته في هذه الفعاليات كمنشط، حيث قال ل«المساء” أنه بقي طفلا رغم أن عمره 67سنة، مضيفا أن تخصصه في سرد قصص الأطفال معتمدا في ذلك على الصور، جعله يقترب أكثر من هذه الشريحة التي قال أنه اكتشفها بعمق من خلال أطفاله، بالمقابل، أكد المتحدث على ضرورة أن يملك الطفل أحلاما وخيالا واسعا وهوما يراه عند الأطفال المشاركين في الورشة. أما السيدة مليكة، المستشارة الثقافية بالمتحف، فتحدّثت ل«المساء” عن حيثيات هذا النشاط فقالت: أنها تهتم بمشاركة الأطفال الذين تمتد سنوات عمرهم من 5إلى 10سنوات، مشيرة إلى حرية اختيارهم لمواضيع رسوماتهم وكذا للوسائل التي يعبرون بها عنها، مثل الأقلام الجافة أو أقلام التلوين، وأضافت أنّ هذه التظاهرة عرفت مشاركة عدد كبير من الأطفال، خاصة في فترة العطل حتى أنهم أصبحوا متعودين على المشاركة وحجز أماكنهم وكأنهم في المدرسة. وأشارت مليكة إلى ضرورة دمج الأطفال الجدد المشاركين في الورشة، كما أعربت عن إعجابها برسومات الأطفال التي قالت أنها تفاجئ الكبار باهتمامها بالتفاصيل، مثل رسمة عمارة بطوابق أوقوس قزح بالألوان، مضيفة أنه على الطفل المشارك أن يكون هادئا وألا تسبب تصرفاته إزعاجا للآخرين. واقتربت ”المساء”من بعض الأطفال المشاركين في الورشة ومن بينهم ماريا صوفيا (8سنوات) التي رسمت الطبيعة بقلم الرصاص وقالت ل«المساء” أنها لأول مرة تشارك في هذه الورشة التي اكتشفتها مع والدتها حينما مرت أمام المتحف، كما جاءت رفقة أخيها محمد اسلام (5سنوات) الذي اختار أن يرسم بالقلم الملبد، فرسم شمسا باللون البنفسجي وشجرة خضراء وكله تركيز. أما ايناس فكانت محل أنظار حكار وعزيز ومليكة، حيث أجمعوا على موهبتها في الرسم وتنبؤوا لها بمستقبل في هذا العالم الجميل وهي التي لم يتعد عمرها أربع سنوات ولم تتوقف عن الرسم فرسمت فراشات ومناظر طبيعية وعرفت كيف تناسق الألوان، أما شيماء (6سنوات)، فقالت أن والدتها هي التي أحضرتها إلى المتحف وهي تشارك للمرة الثانية في هذه الورشة، بينما تحب خلود(9سنوات) رسم الطبيعة وقالت ل«المساء” أنها تحب أن تصبح صحفية. ورسمت دعاء (3سنوات ونصف) خربشة ملونة وكلها فرح وحيوية، وقالت أنها تحب الرقص، أما أختها منال(9سنوات) فذكرت أنها تحب أن تصبح مصممة أزياء وأنّ جدتها هي التي أحضرتها إلى الورشة، أما عن علمها بهذا الموعد فقالت أن صديقتها في المدرسة هي التي أخبرتها عنه، هذه الصديقة التي اسمها منال قالت بدورها ل«المساء” أنها ترغب أيضا في أن تصبح مصممة أزياء ومغنية وطبيبة أسنان. واقتربت ”المساء” أيضا من بعض أولياء الأطفال الذين كانوا جالسين في هدوء على بعد بضع أمتار من أطفالهم، وقالت سميرة أنها أحضرت أطفالها للمشاركة في هذه الورشة للمرة الثالثة، مضيفة أنهم ينتظرون هذا الموعد بحماس كبير خاصة ابنتيّها ومن بينهما وسام التي ترغب في أن تصبح مصممة أزياء، حيث قالت عنها والدتها أنها تحب الرسم كثيرا لتشجعها في هذا المسار الذي تعرف عنه بعض الأشياء باعتبار أنها قريبة الفنان الراحل امحمد اسياخم. أمّا السيدة ربيعة فقد جاءت إلى الورشة رفقة أحفادها وقالت أنها تشجعهم على الرسم حتى أنها تتركهم في بيتها يرسمون كما يريدون وأنها لا تنزعج إذا لطخوا بيتها، مضيفة أنها تحب الرسم كهواية وليس كعمل محترف لأن مهنة الرسم لا تؤكل الخبز، بينما قالت سامية أنها متعودة على زيارة معارض الفنون التشكيلية وهكذا اكتشفت حيثيات هذه الورشة التي تشارك فيها ابنتها منال وأكدت أنها ستشجع ابنتها لواختارت هذا المسار الفني في حياتها. وقام بعض الآباء أيضا بمصاحبة أطفالهم إلى الورشة ولوكانوا قلة، ومن بينهم عبد الكريم الذي رافق ابنته إيناس الموهبة التي تحدثنا عنها سابقا، وقال أنه ترعرع في بيئة فنية باعتبار أن والده هو الفنان الموسيقي مصطفى سحنون لهذا فهو يحث أبناءه على التغلغل في عالم الفنون كيفما كان جنسها. للإشارة، لم يتوقف الأطفال عن إظهار رسوماتهم لحكار وشكلوا طوابير ينتظرون منه إظهار رأيه وكلّهم قلقين، أمّا حكار فقال ل«المساء” أن الطفل ومنذ أن أدرك أن الرسم وسيلة للحوار لم يتوقف عن الرسم، كما تحدث أيضا مع أوليائهم وكمثال عن ذلك، اكتشف في رسمة كوثر أنها تعاني من فراق شخص قريب منها. وتحدث حكار مع والدة كوثر عن ابنتها التي رسمت شخصا غير مغطى الرأس رغم تهاطل الأمطار، ولم تشأ أن ترسم شخصا آخر يجلب له مظلة بحجة أنه يسكن لوحده، وأخبرته الوالدة أن كوثر رحل عنها عمها الذي تحبه كثيرا ولم يعد من الممكن أن تراه مرارا وهنا يطلب منها حكار أنّ تتحدث مع ابنتها عن طبيعة الحياة التي تجبرنا على فراق من نحبهم.وكان حكار يطلب من بعض الأطفال أن يضيفوا شخصيات أخرى لرسوماتهم، فطلب من وسام ومنال أن ترسما نساء أخريات كعارضات أزياء خاصة وأنهما ترغبان في أن تصبحا مصممات أزياء، وطلب من أب جلب ابنته إلى الورشة في المرة القادمة لأنها تملك موهبة وطلب من أم وسام أن تحضر كراسها للرسم، بالمقابل، أضفت عفوية الأطفال، الكثير من المرح على فعاليات الورشة، حيث اختار طفل أن يرسم جرذا، بيد أن رسومات أخرى عبرت عن أحلامهم التي هي في الأصل حقوق مثل رسمة طفل لدار، حيث قالت والدته أنهم لا يملكون سكنا فرديا.