بدأت يوميات الحرب الفرنسية في مالي تفرز أخبارها بالتقطير ستة أيام بعد قرار السلطات الفرنسية اقتحام المستنقع المالي تحت غطاء دعم حكومة باماكو، لطرد مقاتلي التنظيمات المسلحة المنتشرة في شمال البلاد. وحسب آخر الأخبار، فإنّ قتالا متلاحما وقع بين عناصر قوة خاصة فرنسية ومقاتلي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في قرية ديابالي على الحدود الموريتانية يومين بعد استيلاء هذا التنظيم عليها. وفي حال تأكدت هذه التسريبات، فإنّ ذلك يعني أنّ قتالا محتدما قد نشب بين الجانبين إلى غاية نفاد ذخيرة الجانبين، واستدعى الأمر دخول عناصرهما في معارك القتال المتلاحم الذي عادة ما يحسم بالأسلحة البيضاء والقوة العضلية. وأكدت مصادر عسكرية مالية تلك الأخبار وأشارت إلى دخول عناصر من الجيش المالي في هذا القتال، رغم أنّ مصادر وزارة الدفاع الفرنسية سبق وأن أكدت أنّ المدينة تعرضت لعمليات قصف جوي مكثف منذ الساعات الأولى لعملية الاستيلاء، للقضاء على مقاتلي التنظيم الإرهابي، وهو ما يعني أنّ هذه العمليات لم تنجح في تحقيق أهدافها عندما حافظ التنظيم على عناصره، الذين قدر وزير الدفاع جون ايف لو دريان عددهم بأزيد من 1300 مقاتل وصفهم بالأكثر قوة وتطرفا وتعصبا وتنظيما وتصميما وتسلحا، مما جعله يعترف بأن الأوضاع هناك صعبة عكس شرق البلاد، حيث تسير الأمور بشكل جيد. واعترف لو دريان أيضا بأن "العملية ستكون طويلة والهدف منها هو أن تستعيد مالي سيادتها على كامل أراضيها". وقال الأميرال ادوارد غيو قائد أركان الجيوش الفرنسية، من جهته، أنّ "القوات الفرنسية تواجه نزاعا من نوع حرب العصابات وهي معتادة على هذا النوع من القتال"، وقال "إننا دمرنا نوعين من الأهداف، الأولى عبارة عن معسكرات تدريب والثانية عبارة عن مستودعات لوجيستية ومراكز قيادة" مثلما حدث في مدينتي دونتزا وغاو. وباستثناء هذه الأخبار الدقيقة عما جرى في مدينة ديابالي، فإنّ العملية العسكرية الفرنسية في مالي يبدو أنها مازالت لم تتضح أهدافها بدقة، في انتظار وصول أولى التعزيزات العسكرية القادمة من القواعد الفرنسية في كوت ديفوار وتشاد ضمن قوة من 2500 عسكري، قررت باريس إقحامهم في حربها "ضد الإرهاب". وأكدت مصادر عسكرية فرنسية، أنّ التفكير بدأ الآن بالشروع في عملية تقدم ميداني نحو الشمال، بعد أن تم التصدي لزحف مقاتلي تنظيم أنصار الدين بعد استيلائهم على مدينة كونا في وسط البلاد الأسبوع الماضي. وهو ما أكده وزير الدفاع جون ايف لو دريان، الذي أكد أن الخطة الموضوعة تقضي بالبدء في نشر قوات برية إضافية لتأمين "حياة رعايانا والرعايا الأوروبيين في العاصمة باماكو والتي شرعت أولى طلائعها في التحرك نحو مناطق شمال مالي، بهدف تدمير الإرهابيين". وأكد شهود عيان، أن مئات الجنود الماليين والفرنسيين غادروا فعلا مدينة نيونو (350 شمال العاصمة باماكو) لبلوغ مدينة ديابالي، لإسناد القوة التي وصلت إليها قبل ذلك على متن عدة أرتال من العربات المدرعة القتالية الخاصة بنقل الأفراد، في الوقت الذي وصلت فيه قوة أخرى إلى منطقة ماركالا الواقعة على بعد 235 كلم شمال شرق العاصمة باماكو، لتأمين جسر استراتيجي على نهر النيجر ضمن خطة لإحكام الخناق على المتطرفين الإسلاميين ومنعهم من الزحف جنوبا نحو العاصمة المالية. وحول حقيقة ما جرى في مدينة كونا، اعترف وزير الدفاع الفرنسي بأن مقاتلين من التنظيم الإرهابي أنصار الدين مازالوا في المدينة التي احتلوها وكانت سببا في اندلاع هذه الحرب. وأكد ناطق باسم هذا التنظيم الإرهابي ذلك وقال في شريط فيديو إن الدبابة التي تشاهدون تابعة للجيش النظامي المالي وقد تم غنمها خلال محاولة الهجوم لاستعادة المدينة بداية الأسبوع الماضي. وبرر عبد الحبيب سيدي محمد، ناطق باسم هذا التنظيم لأول مرة، دواعي إقدام التنظيم على مهاجمة مدينة كونا والتي كانت بمثابة فتيل نار أشعل هذه الحرب، أنه بعد الفشل في إقناع الحكومة المالية بالتفاوض من أجل حل سلمي تفاوضي وبعد شروع فرنسا في تجميع قوات دول غرب إفريقيا قررنا إثرها مهاجمة المدينة بهدف حماية السكان". وفي سياق التصعيد العسكري، طالبت الإدارة الأمريكية السلطات الانتقالية المالية بالإسراع في وضع خارطة طريق سياسية مع التركيز على العودة إلى المفاوضات مع الجماعات المالية في شمال البلاد التي ليست لها صلة بالإرهاب. وقال جو كارني الناطق باسم البيت الأبيض، إنّ واشنطن "تعمل مع شركائها الدوليين على مكافحة الجماعات التي لها صلة بتنظيم القاعدة عبر العالم". وقال إن الولاياتالمتحدة "تشترك مع فرنسا في ضرورة حرمان الإرهابيين من الحصول على ملجأ في شمال إفريقيا وفي بلد مثل مالي، وأنها تعمل مع دول كفرنسا ودول أخرى في المنطقة والعالم لبلوغ الأهداف التي نتقاسمها". واستبعد مدير معهد إفريقيا التابع لأكاديمية العلوم الروسية أليكسي فاسيليف "إيجاد حل سريع للأزمة في مالي"، محذرا من تفاقم الوضع ليس فقط على هذه الدولة بل على دول المنطقة، وقال إن "فرنسا تدخلت لوقف الهجوم على العاصمة باماكو، لكن الحل السريع لهذا النزاع مستحيل بسبب النقص الكبير في عدد القوات الغربية" ويبدو أنّ الأزمة ستستمر بما قد يؤدي إلى انهيار كل المنطقة.