لا يبدو أن قضية اغتيال المعارض التونسي شكري بلعيد ستمر هكذا دون أن تكون لها ردات فعل وارتدادات قد تصل حد الهزة القوية على السلطات التونسية التي رأت في هذه الجريمة ضربة في الظهر. ولولا ذلك لما قرر الرئيس منصف المرزوقي عدم المشاركة في قمة منظمة التعاون الإسلامي بالقاهرة والعودة على عجل إلى تونس لمتابعة تداعيات أول عملية اغتيال تعرفها تونس منذ نجاح ثورة الياسمين والإطاحة بنظام الرئيس السابق زين العادين بن علي. والمؤكد أن عملية الاغتيال ستكون أشبه بكرة الثلج من خلال تبعاتها على المشهد السياسي التونسي الذي يعيش منذ أشهر حركية وتململا باتجاه التصعيد على خلفية الشعور بعدم الرضى العام من فترة حكم قادها ائتلاف سياسي بقيادة حركة النهضة الإسلامية. وكان المعارض اليساري بلعيد شكري قد اغتيل، أمس، أمام منزله وسط العاصمة تونس بعد إصابته بأربع طلقات نارية على مستوى الرأس والرقبة والكتف والقلب استهدفه بها مسلح مجهول لاذ بالفرار رفقة شخص كان في انتظاره على متن دراجة نارية. وأدركت قيادة حركة النهضة أن عملية الاغتيال تحمل توقيعا سياسيا وتستهدفها هي دون غيرها من الأحزاب الأخرى. وهو ما عكسته تصريحات رئيسها راشد الغنوشي، الذي أكد أن جريمة الاغتيال ”تهدف إلى إغراق تونس في حمام من الدماء ولكنهم لن ينجحوا في رهانهم”، وأدان الغنوشي في أول رد فعل له العملية وقال إنها تهدف إلى ضرب الثورة واستقرار البلاد، رافضا أن تلصق تهمة الاغتيال بحركته وقال إنها ”عملية تصفية حسابات”. وذهبت تأكيدات راشد الغنوشي إلى نقيض تصريحات عائلة شكري بلعيد التي اتهمت رئيس حركة النهضة بالاسم بالوقوف وراء عملية الاغتيال مبررة ذلك بمواقفه المناوئة لحركة النهضة وانتقاداته العلنية المتواصلة لها. لكن الغنوشي أعطى لعملية الاغتيال قراءة سياسية أخرى عندما أكد أن ”المستفيدين من الجريمة هم أعداء الثورة وأعداء الاستقرار وأعداء النهضة والحكومة” وذهب إلى حد وصفها بدعوة إلى التحريض على العنف بما يستدعي توحد مختلف القوى السياسية لمنع انزلاق الأوضاع إلى ما هو أسوأ نافيا التهم الموجهة إلى حركته وقال ”كيف لنا أن نشارك في جريمة كهذه؟”. واستشعرت حركة النهضة الإسلامية الفائزة بأول انتخابات نيابية تعددية في تونس الوقع الذي تتركه عملية الاغتيال عليها، خاصة في ظل تنامي الأصوات الداعية إلى رحيلها بدعوى فشلها في أول تجربة حكم لها وهي التي وعدت التونسيين بحياة وحرية ورفاه ينسيهم عناء وقهر فترة حكم نظام الجنرال زين العابدين بن علي الذي حكم البلاد بيد من حديد طيلة 23 عاما. ولم تخطئ حركة النهضة في تنبؤاتها وهي ترى مقراتها في مختلف المدن تتعرض للحرق والرشق في الوقت الذي كانت فيه مقار الشرطة التونسية هي الأخرى أهدافا لعمليات استفزازية من متظاهرين في رسالة واضحة بأن عملية الاغتيال تحمل خلفيات سياسية. والخوف كل الخوف أن تكون عملية الاغتيال بمثابة فتيل لموجة أعمال عنف وفوضى قادمة بعد أن خرج متظاهرون في مختلف مدن البلاد للاحتجاج على عملية الاغتيال وأرغمت قوات الشرطة على الاستنفار والخروج إلى الشوارع من أجل ضبط الأمور الأمنية ومنع أي انفلات أمني. وتبدي حكومة حمادي الجبالي مخاوف من تداعيات هذه الجريمة كونها جاءت في سياق سياسي غير مناسب إذا أخذنا بعين الاعتبار المشاكل التي يواجهها الائتلاف الثلاثي الحاكم المشكل، إضافة لحركة النهضة، من التكتل والمؤتمر من أجل الجمهورية بسبب صراع معلن حول طبيعة دستور تونس القادم وفشل الحكومة التونسية في تحقيق الإقلاع الاقتصادي الذي وعدت به بتوفير مناصب الشغل والسكن، لكنها واجهت واقعا آخر وتأكدت باصطدام وعود وردية بواقع اقتصادي قاتم.