شهد فضاء التغذية بين الماضي وما يحمله من دلالات اجتماعية، والحاضر بما أدخل عليه من تطور، والمستقبل وما يعد به من جديد في مجال النهوض بقطاع التغذية، بالمعرض الكبير المقام بقصر المعارض في إطار الاحتفال بخمسينية عيد الاستقلال، شهد توافد أعداد كبيرة من الزوار بمن فيهم أطفال المؤسسات التعليمية الذين اعتبروا المعرض فرصة لاكتشاف واقع التغذية بالمجتمع الجزائري بين الأمس واليوم. استحوذ فضاء التغذية بين الأمس واليوم على مساحة كبيرة من المعرض، ولعل أهم ما ميز الفضاء طريقة عرض واقع التغذية بالمجتمع الجزائري قديما، في شكل مجسمات ترجمت الطريقة الشاقة في تحصيل الغذاء، بدءا من عملية الحرث، وصولا الى التخزين بالطريقة التقليدية والطحن بالمطحنة الحجرية، ناهيك عن عرض مختلف الأدوات التقليدية التي كانت تستخدم من طرف الفلاح، على غرار المحراث الخشبي والمنجل وغيرها من الأواني التي استخدمت في طهي وحفظ وتخزين الطعام كالقربة والشموخة (إناء كبير لحفظ السمن او الدهان كما كان يسمى قديما) والمطحنة الحجرية، والفرن التقليدي واكوفي (خزان تقليدي لحفظ الحبوب عرف بمنطقة القبائل). وحول واقع التغذية بالمجتمع الجزائري قديما، تحدثت “المساء” الى نور الدين عمراني إطار بالديوان الوطني للحبوب الجزائري، فقال: “ارتأينا تقسيم فضاء التغذية الى جزئين، الأول خاص بالصعوبات التي كان يواجهها الفلاح قديما لتحصيل غذائه، حيث أبرزنا من خلال هذا الفضاء أول مرحلة كان ينطلق منها لتأمين طعامه، وتتمثل في عملية الحرث اليدوية التي كان يعتمد فيها على المحراث الخشبي الذي يجره الثور أو البغل، لتأتي بعدها عملية الزراعة اليدوية التي تستهلك جهد الفلاح وطاقته، وبعد مرور حوالي ثمانية أشهر يستعد الفلاح لمرحلة الحصد التي تتم هي الأخرى بطريقة يدوية، ومن ثمة تأتي عملية الدرس التي يستعين فيها ببعض الحيوانات على غرار الثيران، بعدها تأتي مرحلة الندر التي يقوم فيها الفلاح بفصل حبوب القمح عن التبن”. ويستطرد محدثنا قائلا “ يبدأ الفلاح في عملية جني المحصول، التي تتمم عموما بطريقة جماعية بالاعتماد على المنجل، ولا يتوقف نشاطه حتى بلوغه مرحلة التخزين التي ينتهي فيها عمل الرجل ليبدأ بعدها دور المرأة الفلاحة، وبالحديث عن التخزين، أشير الى ان الفلاح الجزائري كان يعتمد على طريقتين، إما التخزين فيما كان يسمى بمنطقة القبائل ب “اكوفي” وهو عبارة عن إناء كبير يصنع من الطين والتبن وفضلات البقر والطين الأبيض، فبعد ان يجف تحفظ به الحبوب التي كانت تعتبر أهم مصدر لغذائه، بينما تتمثل الطريقة الثانية في التخزين في ما يسمى بالمطمور وهي حفرة كبيرة تحفر بالأرض يخبأ بها القمح بعد تجهيزها سلفا. بتخزين الحبوب يستريح الفلاح ليبدأ دور المرأة الريفية، يقول محدثنا، ويضيف” تحول المراة الحبوب الى طحين بالاعتماد على الطاحونة الحجرية لتوجه الطحين لصنع الكسكسي او الكسرة التي يتم طبخها بالفرن الحجري التقليدي على نار الحطب. الى جانب الحبوب، نجد ان الفلاح قديما كان يعتمد في غذائه أيضا على حليب البقر والماعز اليي يقدم للمرأة لتستخرج منها الزبدة واللبن عن طريق عملية المخض بالشكوة (وهو كيس يصنع من جلد الماعز يوضع به الحليب ويتم مخضه لساعات)، بعدها يتم استخراج الزبدة وتحويل الحليب الى لبن، يقول نور الدين عمران ويضيف “في مقارنة للتغذية بين الماضي واليوم، نجد ان إنتاج الفلاح في الأمس كان ضعيفا جدا موجه بالدرجة الأولى للاستهلاك، كما أنه كان محدودا . أما اليوم فنلمس تطورا كبيرا من حيث الوفرة والتنوع في المادة الغذائية. وهي عموما الرسالة التي رغبنا في إيصالها الى زوار المعرض، يكفي فقط القول ان الفلاح اليوم أصبح يعتمد على عمل الآلة التي تزيد قوتها عن 150 حصان، ويحرث بها ما يزيد عن 10 هكتارات بعدما كان كل عمله يدويا”. خصص الجزء الثاني من فضاء التغذية لعرض آخر التطورات التي عرفها عالم التغذية بالمجتمع الجزائري، يكفي فقط القول ان نسبة الإنتاج في مجال الحبوب بلغت سنة 2009 61 ألف قنطار، وبعدما كنا يقول محدثنا نعتمد على التخزين بالطريقة التقليدية أصبحت الحبوب توجه الى التعاونيات التي تتكفل بعملية الجمع والتخزين بمقاييس عالمية. أطفال المدارس يكتشفون واقع التغذية قديما. لدى تواجد “المساء” بفضاء التغذية، توافد جمع من الأطفال على الجناح وبفضول معهود، راحوا يتفحصون مختلف الآلات الفلاحية التقليدية التي كانت معروضة حسب تسلسلها الزمني، بدءا بالمحراث الخشبي، وصولا إلى المكننة الحديدية التي أوجدها المستعمر الفرنسي، بينما راح البعض الآخر يتساءل عن أسماء بعض الأواني التقليدية وفيما كانت تستخدم، وعمل آخرون على تدوين كل ما تلتقطه آذانهم من معلومات. اقتربنا من الأستاذ محمد الذي كان يرافق التلاميذ فحدثنا قائلا “ قدمنا من “مدرسة بوقارة 2” التابعة لولاية البليدة بموجب دعوة لتمكين الأطفال من اكتشاف المعرض الفلاحي وما يحويه من تنوع “. وحول أهمية هذه الزيارة، قال “تساهم الزيارات الميدانية للتلاميذ الى هذه المعارض، في ترسيخ المعلومات لديهم، وبحكم ان هذا المعرض الفلاحي جاء في إطار الاحتفال بالخمسينية، اعتقد أنها فرصة لهم حتى يطلعوا على واقع الفلاحة التقليدية والأدوات التي كانت تستخدم في عملية الحرث والبذر والحصد، لا سيما وأنها تدخل في مقرراتهم الدراسية”. اقتربنا من التلميذ محمد تافيروت الذي كان يتفحص آلة تقليدية كانت تستخدم في الحصد، فقال “أعجبني كثيرا المعرض، لم أكن اعرف ان الحرث والحصد قديما كان يتم بهذه الأدوات التقليدية التي تجرها الثيران، كما سمح لي باكتشاف الطريقة التي كان يعتمدها أجدادنا في كسب قوتهم”. وعلق قائلا “كانوا يتعبون كثيرا في سبيل تأمين الطعام”. من جهتها حدثتنا التلميذة ريان مسعودي قائلة “كثيرا ما كنت اسمع عن الفرن التقليدي ومن خلال هذا المعرض تمكنت من تفحصه واكتشاف الطريقة التي كانت جداتنا تطهو بها الخبز، كما سمح لي المعرض بالاطلاع أيضا على طريقة التخزين، كما أني لم أكن اعرف ان المطمور استخدم قديما كمخزن لحفظ الحبوب”. أما البرعمة شيما التي كانت منهمكة في تدوين المعلومات التي سمعتها عن مراحل تحصيل الغذاء في الماضي، فحدثتنا قائلة “شد انتباهي كل ما عرض بالمعرض، لا سيما الأدوات التقليدية التي كان الفلاحون يعتمدون عليها في كسب قوتهم، كما تعلمت أيضا بعض المصطلحات التي كانت تطلق على الأواني كالقربة والمطحنة الحجرية والمطمور، وهي كلمات جديدة بالنسبة لي”. شد انتباهنا ونحن نتجول بالمعرض، التفاف جمع كبير من التلاميذ حول جناح اللحوم، حيث كانوا يسألون عن المقصود من المذابح، الفائدة من تسمين البقر والغنم، اقتربنا من بلال حاجي مدير تقني بمؤسسة لا تراكوا. الذي تولى مهمة تبسيط المعلومات حول تربية البقر والغنم، للأطفال الذين انهالوا عليه بالأسئلة، وفي حديثه ل “المساء”، قال “ما أريد ترسيخه في ذهن الأطفال هو ان المستقبل الذي ينبغي لهم ان يستثمروا فيه هو البترول الأخضر لما له من أهمية في تقليص فاتورة الاستيراد، من أجل هذا أحاول ان أقدم لهم بعض المعلومات التي تحببهم في القطاع الفلاحي الذي أولته الدولة الجزائرية عناية كبيرة”.