تشهد بعض القرى النائية ومداشر ولاية سكيكدة، ممارسات غريبة للطقوس الجنائزية التي تتم بطرق مخالفة لما هو متعارف عليه في الشرع إن لم نقل أنها عادات خرافية مستوحاة من الأساطير القديمة التي توارثها بعض الناس جيلا عن جيل كان الجهل مصدرها، حيث عشعشت في العقول فصارت تتحكم في سلوكات البعض... وضع قطع نقدية فوق لسان الميت قبل دفنه! ومن بين تلك الطقوس التي لا يزال البعض يمارسها بسكيكدة وبالضبط بضواحي منطقة فلفلة وما جاورها، طريقة دفن الميت، إذ وبعد إتمام عملية الغسل وقبل الشروع في تكفينه، يقوم كبير الأهل وسط تمتمات دعائية بوضع قطعة نقدية من فئة إما 50 سنتيما أو 40 سنتيما فوق لسان الميت وبعدها يكفن ليدفن وسط أجواء جنائزية مهيبة بعد أداء صلاة الجنازة في المسجد، وعن هذه الظاهرة الغريبة عن المجتمع السكيكدي، حدثتنا الآنسة جقريف غنية من مديرية الثقافة للولاية، التي أكدت أنها حضرت فعلا إحدى هذه المراسم عند عائلة تقيم على مستوى منطقة فلفلة شرق سكيكدة، وأشارت إلى أن لتلك الطقوس التي لا تزال تمارس لدى بعض العائلات بالمنطقة، مرجعية تاريخية، مستمدة كما قالت ل” لمساء” من الفراعنة القدامى، إذا كانوا يضعون فوق لسان موتاهم قطعة ذهبية وهذا حتى يتسنى لهم حسب اعتقادهم المرور بسهولة ويسر إلى العالم السفلي و من ثم ينالون رضى إله الموت (أنوبيس). وعن كيفية وصول هذه العادة إلى المنطقة، أشارت المتحدثة إلى أنها ناتجة عن العلاقة التواصلية التي كانت موجودة بين مصر القديمة ونوميديا التي كانت سكيكدة جزءا تابعا لها، خاصة بعد أن تمكن القائد البربري (شيشنق) من الاستيلاء على الحكم بمصر، بعد أن تمكن من هزم الملك الفرعوني رمسيس الثاني ومن ثم وأمام الحركة التي شهدتها المنطقة خلال تلك الفترة سواء تجارية او غيرها، لا سيما وأن فلفلة وما جاورها تقع على الشريط الساحلي للبحر البيض المتوسط، دخلت تلك العادة التي تبناها الأهالي وترسخت في سلوكاتهم لاعتقادهم أن ما يقدم عليه الفراعنة هو الصواب!
الميت يشيع إلى مثواه الأخير مع بعض أغراضه الدنيوية كما تنتشر ببعض مناطق الولاية كالمناطق الريفية بالجهة الغربية منها، طقوس أخرى غريبة، من بينها وضع شمعة أو سكين أو إناء طيني على صدر الميت، وحسب نفس المصدر، فإن هذه العادات التي لا تزال إلى يومنا هذا، وهي مستمدة من المعتقدات القديمة من فجر التاريخ، حيث كان الإنسان القديم عند قيامه بدفن الميت يدفن معه الأواني المختلفة وبعض أغراضه لاعتقاده أن الميت سيعيش حياة أخرى. مؤكدة لنا بأن مثل هذه الطقوس إنما تمارس من باب الجهل ليس إلا، خاصة في المناطق النائية لكون هذه العادات حتى وإن كانت تخالف الشرع فهي من موروثات الأجداد!
نداء للميت للاستيقاظ من نومه في القبر و من جهة أخرى، أكد لنا الشيخ خالد، إمام مسجد سيدي علي الأديب بوسط مدينة سكيكدة وإطارا بمديرية الشؤون الدينية والأوقاف، أن العديد من الناس بالمنطقة لا يزالون يعتقدون بالموروثات الخرافية عند ممارستهم للطقوس الجنائزية، منها أن البعض وبعد إتمام مراسيم الدفن وفي اليوم الثاني وقبل طلوع الفجر، يتوجه أحد أفراد العائلة إلى المقبرة، حيث يقوم أمام قبر الميت بمناداة هذا الأخير باسمه داعيا إياه إلى الاستيقاظ من نومه في قبره، وحسب المصدر، فإن الذين يقومون بهذا السلوك يزعمون أن الميت إذا لم يستيقظ فإنه لن يستيقظ إلى يوم القيامة ومن ثم فإنه لا يمكنه رؤية وسماع زواره... وأضاف الشيخ خالد، أن من غرائب الطقوس الجنائزية بسكيكدة أيضا، إقدام أهل الميت على وضع قطعة من القماش فوق القبر من باب تذكير الميت بما يُطلب منه أو طًلب منه قبل مماته من أمور الدنيا لإيصالها إلى الله من باب التوسط. مضيفا أن هذه العادة التي ما يزال البعض يمارسها تعود أصولها إلى العصر الحجري في شمال افريقيا...
... بدعة، خرافة وجهل وعن موقف الدين من هذه الطقوس، قال الشيخ خالد إمام مسجد سيدي علي الأديب بوسط المدينة، أن الطريقة الشرعية للدفن تتلخص في 05 شعائر جنائزية، وهي تلقين الميت الشهادتين وتغسيله وتكفينه ودفنه والدعاء له والصدقة عليه، مع ذكر محاسنه. مضيفا أنه خارج هذه كلها فهي بدع وجهل وخرافات وفيها ما هو مستحدث وكلها، حسبه، تمثل مظاهر ضعف النفس البشرية وبعدها عن الإيمان والشرع الصحيح، خاصة وأن هناك من يستغل تلك الطقوس الجنائزية لممارسة أعمال الشعوذة والسحر، كاستعمال الماء الذي يغسل به الميت أو جزء من كفنه أو حتى بعض أجزاء من أعضاء الميت بما في ذلك قبره. مشيرا إلى أن مثل هذه العادات بالمنطقة هي في طريق الزوال بحكم الدور الذي تلعبه المؤسسة المسجدية فيما يخص تلقين الناس الشرع الصحيح، الذي ينير بصائرهم ويقودهم إلى الطريق الصواب وبالتالي يزيل مثل هذه الطقوس من عقولهم.