أكفان بأكسسوارت، عطور، صابون ومواد مستوردة لتغسيل الميت، وقطع من القماش الفاخر، هي آخر صيحات الموضة التي استحدثها الجزائريون للمنافسة والتفاخر لتكفين الميت التي انتقلت حسب التقرير الذي أعدته ''النهار'' من الدول الخليج وصولا إلى الجزائر، بعدما كانت حكرا على أغنياء الدول الخليجية في الوقت الذي أكرم الله الإنسان في دفنه. بعد وقوفنا عند إحدى ''الخرجات'' أو الموضات التي بدأت تظهر بكثرة في المجتمع الجزائري، ارتأينا التنقل إلى عدد من محلات بيع الأكفان أو القطعة الأخيرة من القماش التي يلف بها الميت قبل مواراته الثرى، والأكيد أن الميت عند ملاقاته لربه لن يُسأل عن ثمن الكفن الذي لف به، ولكن يسأل عن عمله وعن عمره فيما أفناه وعن ماله فيما أنفقه، عبارة لفتت انتباهنا عندما كنا نعد هذا التقرير وهي قول أحد الباعة لدى سؤالنا له عن ثمن الكفن...''المزية الكفن مافيهش جيوب''، هذا التصريح استغرب منه عدد من الناس ورحب به عدد آخر من بائعي الأكفان والأقمشة في العاصمة بسبب حساسية الموضوع. محلات خاصة تعرض أكفانا ''فاخرة '' للبيع ولدى سؤالنا المواطنين ونحن نتجول في عدد من أحياء العاصمة الشعبية عن أشهر محلات بيع الأكفان يتواجد تحديدا بساحة الشهداء، لم يكن صعبا الوصول، حيث دخلنا المحل الذي كانت واجهته مزينة ''بالأقمصة'' والروائح والعطور وعدد من ''السيديهات'' الخاصة بتلاوة القرآن لأهم المقرئين في الوطن العربي... سألنا البائع عن وجود أكفان، فرد علينا مستفسرا عن الثمن الذي نريد أن نقتني به الكفن...''السومات مختلفة باختلاف القماش'' يقول مراد مردفا..''الكفن مابقاش كيما زمان كل شيء تبدل لأن سعر الكفن أصبح يقدر بجودة القماش وليس له ثمن محدد''، طلبنا منه إحضار أحد أفخم الأكفان في محله وكان لنا ذلك، ولدى ملامستنا له وجدناه ألمسن ناعما يميل نوعا ما إلى ''الحرير''... والغريب في الأمر أن هذه الأكفان أصبحت توضع في علب مغلفة بشكل جيد تشبه إلى حد كبير تلك التي توضع فيها الألبسة الموجهة للمناسبات والعرائس. أكفان من الحرم المكي تبركا به ومفاخرة أمام الجيران يبدو أن بعض الأشخاص حتى مناسبة الموت لم تسلم من بعض عاداتهم وممارساتهم التي تتنافى حتى مع الدين والعرف في المجتمع الجزائري، حيث وبعدما استرسلنا في الحديث مع صاحب المحل، هذا الأخير تحدث إلينا بكل أسف عن قيام أشخاص بشراء أكفانهم من الحرم المكي... توقف قليلا ثم أردف قائلا ''الله يهديهم هذا يتنافى مع الدين والتقاليد الجزائرية'' مشى قليلا وسط المحل قبل أن يجلب كفنا آخر قائلا ''مثلا هذا الكفن مستورد من إحدى دول الخليج، غير أن الفرق بينه وبين أي كفن آخر ضئيل لأن في النهاية كلنا سائر إلى قبر من تراب ولنلاقي أعمالنا فقط''. أكفان بأكسسورات أخر ''عيطة''...! الكفن أو آخر رداء للمسلم قبل أن ينتقل إلى الرفيق الأعلى، بعد أن وضع في حفرة مظلمة لمواجهة أفعاله.. الغريب في المجتمع الجزائري أن عددا من الأسر أصبحت تتفنن في تكفين موتاها على شاكلة الأسر البورجوازية في المجتمعات الأوروبية، خرجنا من المحل الثاني لبيع الأقمشة لندخل محلا آخر بالقرب من منطقة ''السكوار'' المعروفة ببيع الأورو، عند اقترابنا من المحل وجدنا شخصين ملتحيين داخله يهمان بشراء عدد من الأكفان، للوهلة الأولى تصورنا أن هناك نائبة ألمت بأفراد أسرتيهما لا قدر الله ولدى تقربنا منهما... أدركنا أنهما كانا بصدد شراء أكفان لوضعها في المسجد لاستفادة الفقراء منها، سألنا عن هذه الظاهرة الغريبة في المجتمع الجزائري المتمثلة في شراء أكفان فاخرة حسب الطبقة، قالا ''إن هذا فعلا صار منذ عام على الأقل وهذا التقليد في شراء أفخر الأقمشة للأكفان يسري في دول الخليج وليس في بلدنا، ولكن عدد من الناس -يقول عبد الرحمن- الله يهدي ما خلق الناس أصبحوا ما يلبثوا يستحدثون أي أمر يثبت ثراءهم''. أكفان ب3000 دينار ''للمرفهين فقط'' في إعدادنا لهذا التقرير وقفنا عند ظاهرة غريبة وهو ثمن الأكفان الذي ظننا للوهلة الأولى أنه لن يزيد عن 1000 دينار نظرا إلى كونه من قطع قماش فقط، غير أن العكس هو الذي وقفنا عنده، حيث يقدر ثمن الكفن في بعض مناطق الجزائر ب3000 دينار، وفي مناطق أخرى يبلغ ثمنه 900 دينار، وهو الثمن الذي يختلف باختلاف الإكسسوارات من روائح وعطور وصابون ومواد معطرة تضاف إلى الماء الذي يغسل به الميت، وهي من المحدثات التي وجدت طريقها للانتشار وسط المجتمع الجزائري. أكفان تحت الطلب... وفي ولاية البليدة، اتجهنا صوب خياط الأكفان لمعرفة أهم التفاصيل، فهمشنا لما سمعناه على لسانه، بأن الكفن يختلف سعر خياطته على حسب طول وقصر الميت، وكذا حسب جودة القماش الذي يقوم أهل الميت بشرائه، أين تتراوح قيمة الكفن من 3000 إلى 6000 دج إلا أنه بالرجوع بالحقيقة إلى الوراء أن مهما غلا سعره أو جودته فيبقى دائما كفن يستر الميت مهما كان له من مال أو جاه أو فقير معوز، يضيف صاحب المحل الذي له حرفة في هذا الميدان منذ أكثر من 40 سنة أنه يفتح محله صباحا من أجل خياطة الكفن، وعن سؤالنا إذا ما يقوم بخياطتها جاهزة وعلى اهل الميت فقط شراؤها، أجابنا أنه لا يجهزها من قبل بل تكون وفقا للطلبات فقط. كفن الميت قماش موحد للغني والفقير في بلعباس كشف أحد باعة القماش بحي القرابة العتيق بسيدي بلعباس عن أن أسعار كفن الميت بالتجزئة تصل إلى 85 دج للمتر الواحد، أما سعر الجملة فيبلغ للمتر الواحد 70 دج، كما أشار ذات البائع إلى أن القماش المخصص للكفن والمعروف ب''البروقي'' الوحيد من بين جميع الأقمشة التي يقتنيها الغني والفقير على حد سواء، وأوضح صاحب المحل أن أحد زبائنه الميسور الحال المدعو ''ب. ع'' يتردد على متجره في أغلب الأوقات لشراء كفنه، غير أنه كان يتبرع به في كل مرة لأحد الأقاربأو الجيران المعوزين عندما تحل بهم مصيبة الموت قبل أن يتوفاه الأجل. يجهّزون أكفانهم ويخبئونها بخزانة الملابس في أدرار أغنياء وبسطاء بمختلف مناطق وقصور أدرار يجهزون أكفانهم بأنفسهم،حيث يحرص العديد منهم خصوصا كبار السن، لاسيما منهم من أنهوا مناسك الحج على تجهيز أكفانهم تحسبا منهم لملاقاة الله في أية لحظة، حيث لا يمكن -حسبهم- الاعتماد على أي شخص في تجهيزهم بعد موتهم، أين يضعون الكفن في الخزانة جنبا إلى جنب مع ملابسهم اليومية، فيما يفضل آخرون تركه عند أحد الأقارب رفقة وصية لهم مع توصيتهم على مكان الدفن ومن يريد أن يغسله ويكفنه وحتى من يصلي عليه، فيما تتمكن جل العائلات بالمنطقة ومع انتشار وكثرة محلات بيع الأكفان من اقتنائه بشكل سهل، بينما العائلات الفقيرة جدا تلجأ إلى العائلات الغنية والثرية التي عادة ما تستغل الوضع لفرض هيمنتها ونفوذها على المنطقة بين تلك العائلات. الشيخ عبد القادر لشهب ل''النهار'': ''التكلف في نفقات الكفن عادة وليست عبادة'' قال الشيخ عبد القادر لشهب عضو لجنة الإفتاء بوزارة الشؤون الدينية، إن بعض الإجراءات والكماليات، التي تم إدخالها حاليا في عملية تغسيل الموتى تعتبر من الكماليات أو العادة وليست العبادة، رافضا وصفها بالتبذير ذلك أن الأمر يتعلق بتكريم الموتى وكل ما زاد عن الشرع فهو عادة دون القول ببدعيته خاصة إذا لم يخالف الشرع. وأضاف عبد القادر لشهب في اتصال ب ''النهار'' أن ما يلزم الميت من الكفن هو لفافة من القماش على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا شيء يطيب به لستره أمام مشيعي جنازته من أجل إخفاء الرائحة التي تخرج من الميت، حيث أصبح الأمر الآن يتعلق بثلاث لفافات بالنسبة للرجل وخمسة بالنسبة للمرأة، وذلك يدخل في حكم العادة لا العبادة. وأشار الشيخ إلى أن اعتماد ثلاث لفافات من القماش بالنسبة للرجل راجع لضمان صلابتها وعدم تمزقها حال حمله بغرض وضعه داخل القبر، في حين تم إضافة اثنين للمرأة من أجل ستر عورتها وعدم الوصول إلى جسدها عند حملها بين الأيدي لوضعها في القبر أو على التابوت لتقلها على الأكتاف إلى المقبرة.