تحتفل المرأة الجزائرية بعيدها العالمي مرفوعة الرأس بالإنجازات التي حققتها منذ فجر الاستقلال، إلا أن الطريق لبلوغ هذه المكتسبات عبدته جزائريات قبل 1962 دفعن زهرة العمر من أجل ان تعيش الأجيال بكرامة وحرية، “المساء” التقت مجاهدات ممن لا يزلن على قيد الحياة ليروين حقبة مظلمة لم يكن للجزائرية فيها حق الاحتفال ب 8 مارس لأنها كانت تحت ثقل الاستعمار بما يمثله من جهل وفقر ومرض وكانت هذه الشهادات... المجاهدة عقيلة وارد : المرأة ذاكرة التاريخ التزمت المرأة بقضية الكفاح كأخيها الرجل فانخرطت في العمل الثوري والسياسي، ورغم صغر سنها حملت البندقية والقنبلة وقطعت الشعاب والجبال والوديان، ونسيت أنها شابة لها الحق في الحياة، ما يهمها كانت الجزائر وشعبها فقط، المرأة كانت في الصفوف الأولى في المظاهرات خاصة في 11 ديسمبر 1960 و17 أكتوبر 1961، المرأة قتلت باعتبارها مناضلة كما حدث مع المناضلة رقي زهرة من حزب الشعب، التي أعدمت مع 7 من المناضلين بعد أحداث 88 ماي 1945، هذه المرأة التي لاقت العذاب قبل القتل والتنكيل لتبقى أثرا لمجد المرأة الجزائرية. 8 مارس هو تذكير ب”جمعية النساء المسلمات” التي تأسست زمن الاحتلال وكانت فيها مريم شنتوف ونفيسة حمود وفاطمة بن عصمان وغيرهن، تحدين فرنسا وخضن تجربة النضال السياسي. 8 مارس هو وقفة مع أرواح اللواتي سقطن كمليكة قايد والأخوات ياج (فطيمة ومسعودة) ومريم بوعتورة وحسيبة بن بوعلي وفضيلة سعدان والقائمة لا تنتهي، إذ هناك شهيدات بقين الى اليوم مجهولات الهوية والمدفن. 8 مارس هو جميلات الجزائر (بوحيرد، بومعزة وبوباشا)، هو المرأة التي ربت وجاهدت وامتهنت الحراسة وتهريب الوثائق والتمويه والطبخ وغيرها من المهام. المرأة هي تلك الشابة التي غادرت مقاعد الدراسة - مثلي أنا من طلبة مدينة قسنطينة- للالتحاق بالثورة. المرأة هي تلك التي كسرت حظر التجول في باريس ذات أكتوبر 1961 لتحمل رضيعها على كتفها وتخرج إلى شوارع باريس الراقية متحدية عجرفة الاستعمار وأرعبت بأناشيدها وأعلامها أعوان بابون، ولقنت باريس عاصمة العلم والثقافة، الدروس، لقد رفضت من باريس مصاصة الحليب لرضيعها كي لا تنتقل إليه جرثومة الاستعباد والاستسلام. علمتنا الثورة أن لا معنى للمستحيل، فتعلمن بسرعة قيادة السيارات والشاحنات والدراجات النارية لاستعمالها في نشاطنا وتكونا في استعمال السلاح واستفدنا من دورات خاصة في التكوين السياسي والإيديولوجي والاقتصادي، وكلفنا كمناضلات مسؤولات بالتكفل بأسر الشهداء والمعتقلين وبمحاربة الأمية عبر فتح فصول للتعليم وتقديم إعانات مالية للمساجين وغيرهم. تكفلت أنا والمجاهدة سليمة بوعزيز (طبيبة جراحة) بتنظيم حفل الاستقلال بباريس، فدعونا الفرنسيين والأجانب وقدمنا لهم الأطباق والحلويات الجزائرية والأعلام الوطنية وبيان 1 نوفمبر.
المجاهدة مليكة حفيظ (أرملة بن شنتوف) مناضلة منذ نعومة أظافري بدأت النضال وأنا لا أزال صغيرة السن، إذ كان والدي ناشطا سياسيا ثم كلفه الراحل فرحات عباس بمنطقة شمال فرنسا وأول ما كلف به تجنيد المناضلين للانضمام الى جبهة التحرير، كان ذلك في بداية سنة 1953 وكانت دوري جمع ونقل الوثائق والأسلحة، كما كنت أعبر الحدود وصولا الى سويسرا وألمانيا ونشطت بلوزان، اكتشف أمري عدة مرات وسجنت وعذبت وكنت كلما أطلق سراحي أعود إلى العمل مرة أخرى حتى سنة 1962. كنت كغيري من بنات جيلي مندفعات لا نعرف الخوف وما كان يهمنا هو إنجاز مهامنا مهما كلفنا ذلك، وفي 1962 دخلت الجزائر والتحقت للعمل في الإذاعة والتلفزة ثم عملت في مجالات أخرى الى أن حققت مشروعا خاصا بي، هو الأول الذي تنجزه امرأة جزائرية وهو صناعة البلاط لكنني واجهت عراقيل لاحصر لها. ما أتشرف به اليوم هو انضمامي مبكرا للثورة، حيث يكفيني فخرا أنني كنت أول من وضع مناشير بيان 1 نوفمبر في علب بريد الجزائريينبفرنسا... أنا اليوم لم أعد كما كنت شابة وبكامل عافيتي كما كنت (من مواليد 1941)، لكن أملي أضعه في شبابنا اليوم وأدعوهم إلى الحفاظ على هذا الوطن الذي استرجعناه بدمائنا، أقول لكم : انتبهوا بلدنا في خطر، الأعداء من كل مكان ولا يسرهم أن يروا استقلالنا، وأنا متأكدة من أن هؤلاء الشباب قادرون على ان يحفظوا الوطن كما برهنوا على ذلك منذ أيام بعين أمناس.
المجاهدة لشهب فريدة : تضحياتنا كانت لله ناضلت في الجزائر العاصمة وفي فرنسا وبالضبط في سانت دوني بباريس، كنت أنا وزميلاتي تحت إمرة المجاهد علي هارون ورابح بوعزيز الذي كنا نعرفه ب “عمر الغربة”، وكان مشهورا جدا في صفوف المناضلين. عملت منسقة (عميلة ربط) حيث كنت أجمع الأموال والسلع والسلاح، علما أنني كنت أشتغل ممرضة بمستشفى لريبوازير بباريس، كما قمت بمهمة تجنيد النساء لإخراجهن في مظاهرات 17 أكتوبر 1961، تم القبض علي في باريس، وأثناء التحقيقات كذبت على المحقق الذي كنت صديقة ابنته فصدقني وأطلق سراحي، لم يكن يدري أنني أحيانا كنت أحمل سلاحا ثقيلا وأنني زوجة رجل مهم في التنظيم، لم يكن يهمني الأمر لأنني قتلت الخوف بداخلي، في سنة 1961 التحقت بالعمل في عيادة نعيمة بالعاصمة الجزائرية وكنت بالمقابل أداوي المناضلين وأتدبر الدواء، لم يرتب أحد في لأنني عاصمية ولي تقاسيم وجه أوروبية، لذلك كانت بعض الفرنسيات صديقاتي حتى أن صديقتي الحميمة وجارتي لم تعرف يوما أن بيتي كان مقرا لاجتماعات المناضلين، بعد سنوات طويلة من الاستقلال علمت وتفاجأت ورغم ذلك لم أعطها سري إلى اليوم. كنت أما لأبناء تركتهم في باريس وكنت زوجة لرجل يغار لكنني واصلت والحمد لله، نحن اليوم في نعمة، اللهم إلا من المحنة التي مرت بها الجزائر في العشرية السوداء، والتي أتمنى أنها ذهبت من غير رجعة، نصيحتي لشابات اليوم، أن يكن في مستوى تضحياتنا وأن يقدسن الجزائر ويحرصن على التفوق في جميع المجالات دون التخلي عن هويتنا التي حاربنا من أجلها.
السيدة زبيدة عميرات (أرملة الراحل سليمان عميرات) : يكفي أنني أديت واجبي لم أظهر لأنني لا أحب الكلام ومقتنعة طوال حياتي بأنني أديت واجبي نحو وطني كبقية الأخوات. أنا من مواليد الأبيار بالعاصمة، ترعرعت بحي حيدرة وأصولي من القصبة، فتحت عيني على الحركة الوطنية من خلال أعمامي وأخوالي الذين عملوا في جمعية العلماء المسلمين، كما اطلعت على نضال أجدادنا وثورتهم ضد التواجد الفرنسي بالجزائر. كان حظ مواصلة تعليمي الى أن وصلت الى جامعة الجزائر في اختصاص الأدب، لكنني تخليت عن الدراسة بعد نداء 1958 والتحقت بالجبل، واثنان من أشقائي استشهدا مع بداية الثورة، كما أننا 6 شقيقات كلنا انخرطن في العمل الثوري، التحقت بالجبل في الولاية الرابعة فعملت مع بن اسماعيل عبد النور وعبد القادر بلخوجة وتمثل دوري أساسا في الدعاية من خلال توعية الشعب بأهداف الثورة وإحباط المخططات الاستعمارية.