حذر رئيس الحكومة الأسبق، السيد رضا مالك، من المؤامرات التي تحاك ضد البلاد على ضوء التطورات التي تشهدها دول الجوار. مشيرا إلى أنه ليس من حقنا العودة إلى الوراء بعد أن حقق الشعب الجزائري استقلاله عن المستعمر الفرنسي باستحقاق، ونبه إلى ضرورة التصدي للمخاطر المحدقة مع قراءة متأنية لمجريات الأمور مع التمسك بالمبادئ التي ناضل من أجلها السلف . وحيا السيد رضا مالك الرد الإيجابي لقوات الجيش الوطني الشعبي، خلال الاعتداء الإرهابي الذي استهدف المنشأة الغازية بتيقنتورين، مضيفا خلال وقفة عرفان للوفد المفاوض في الذكرى ال50 لاسترجاع السيادة الوطنية نظمت أمس بمنتدى “المجاهد”، أن هذا الجيش الذي يعد سليل جيش التحرير قد شرف الجزائر على المستوى الدولي في هذه الموقعة، كونه نجح بجدارة في التعاطي مع القضية من خلال إنقاذه أرواح العديد من الرهائن. ودق رئيس الحكومة الأسبق ناقوس الخطر إزاء ما يحدث في منطقة الساحل وبالخصوص مالي. واصفا ذلك ب«العار” كون المستعمر القديم عاد إلى المستعمرة القديمة باسم تحرير الشعب المالي من الإسلاميين. مشيرا إلى أن ذلك كفيل بالتسليم بفرضية إمكانية عودة المستعمر في أي لحظة إذا وجد الظروف الملائمة لذلك وإذا لم تؤخذ الأمور بالجدية الكافية. وفي تطرقه إلى اتفاقيات ايفيان التي وصفها بالانتصار الكبير، أشار الناطق الرسمي للوفد المفاوض إلى أنها قامت على ثلاثة أهداف رئيسية غير قابلة للمساومة، هي وحدة التراب الجزائري ووحدة الشعب الجزائري والاستقلال التام والسيادة الوطنية، مؤكدا أن المبدأ الأول والمتمثل في الوحدة الترابية للوطن كان بمثابة الحرب الكبيرة والرهان الأعظم للوفد الممثل للحكومة الجزائرية آنذاك، كون فرنسا خلقت فكرة تقسيم الصحراء وتفضيل الجنرال ديغول لمبدأ السلم مع الجزائريين الذي أبداه في أولى مراحل حلوله بالجزائر، ليتراجع عنه بمجرد اكتشاف البترول بالصحراء سنة 1956، في حين قرر الشعب الجزائري مواصلة النضال لسنوات أخرى من أجل عدم تمرير فكرة المستعمر بتقسيم البلاد. وأبرز السيد مالك تشبث المستعمر بفكرة “الجزائر فرنسية” لاسيما وأنه كان هناك مليون أوروبي يعيشون في الجزائر وصادروا ممتلكات الأهالي، وهو مشكل كان يصادف المفاوض الجزائري إلا انه تم الاتفاق على أن يستفيد هؤلاء من الحقوق المدنية وليس الجنسية الجزائرية لمدة 3 سنوات وأن يخضعوا للإجراءات التي تمنح للأجانب فقط في حال قرروا الاستقرار بها. ويؤكد الناطق الرسمي للوفد المفاوض أن فشل فرنسا عسكريا مهد لجلوسها إلى طاولة المفاوضات وجها لوجه مع رجال الثورة، رغم أن الاتصالات بين الطرفين بدأت مبكرا لكنها لم ترق لمستوى تحقيق أهداف الشعب الجزائري، ففي سنة 1955 تدخل “صديق الجزائر” أندريه مون روش كما وصفه السيد رضا مالك، كطرف في الاتصالات السرية التي بدأت بالعاصمة الجزائرية، حيث قبل الجزائريون بذلك في محاولة للضغط على فرنسا. ثم أجريت اتصالات ثانية في فيفري 1956، غير أن الفكرة لم تنجح كون الأمور لم تكن ناضجة بعد وحتى محاولات كسب الوساطة من القاهرة للتفاوض مع محمد خيضر فشلت هي الأخرى، لتعرف نقطة النهاية في 23 أكتوبر 1956، حيث تعرض الوفد الجزائري لقرصنة جوية من قبل المستعمر، عندما كان متوجها نحو تونس لحضور الاجتماع المغاربي المنظم من قبل الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، للاجتماع بالملك المغربي محمد الخامس وقادة الثورة لتقديم أفكار لحل القضية الجزائرية. بعد هذا الفشل في السيطرة على الثورة الجزائرية -يقول رضا مالك- أصبحت فرنسا مقتنعة بأن الثورة لا تنبع من الجزائر وإنما المؤامرة تطبخ في القاهرة، مما نتج عنه العدوان الثلاثي في 1956، حيث لم تسلم الدول العربية من بطش الاستعمار الفرنسي كأسلوب ضغط على الثورة بالخارج، مثلما حدث بالمدرسة التونسية التي قصفت من طرف قوات الاحتلال مخلفة مقتل أربعين تلميذا، بحجة أن المدرسة قاعدة عسكرية لجيش جبهة التحرير الوطني، إلى جانب مجزرة ساقية سيدي يوسف. وبعد اتضاح فشل مساعي المستعمر لضرب الثورة بدأت سويسرا في تنظيم اتصالات سرية وعلانية بين الطرفين، بحكم العلاقات الطيبة التي كانت تجمعها بالجزائر. وبعد قبول ديغول التفاوض بعد تردد طويل بسبب الشرط غير قابل للتفاوض وهو اعتراف فرنسا مسبقا بالاستقلال التام، حيث قامت سويسرا بتكليف أوليفي رون بالمهمة. وفعلا عقد أول اجتماع سري بسويسرا في مارس 1961، الذي كشف موقف كل طرف، ليتبع باجتماعين سريين في بال السويسرية في أكتوبر ونوفمبر 1961، حيث كانا نقطة انفراج المفاوضات بقبول شروط الوفد الجزائري. وبقيت المفاوضات مستمرة بشأن القواعد العسكرية والنووية، حيث اشترطت فرنسا في البداية منحها مهلة خمسة عشر عاما لتفكيكها، لكن لم يتسن لها سوى مهلة ثلاث سنوات رحلت فيها قواعدها بصفة نهائية من التراب الجزائري. وهو ما صادق عليه الاجتماع السري الذي عقد في فيفري 1962 وقدمه المجلس الوطني في وثيقة إطلاق النار التي أمضى عليها كريم بلقاسم ممثل الوفد الجزائري يوم 19 مارس 1962، وكل من جان روبرن ولويس جورج وروبرت بيرون وزير الأشغال العمومية كاتب الدولة للشؤون الصحراوية آنذاك. يذكر أن الوقفة نظمت بالتنسيق مع جمعية مشعل الشهيد وحضرها سفراء دولة فلسطين ومصر والجمهورية العربية الصحراوية، إلى جانب شخصيات وطنية وديبلوماسية.