تعد مبادئ الحفاظ على السيادة الوطنية كاملة غير منقوصة ووحدة الصف والكلمة لجبهة وجيش التحرير الوطني من بين الأسباب الرئيسية التي أدت إلى نجاح مفاوضات إيفيان 1962 بسويسرا، بقيادة رئيس الوفد الجزائري المفاوض كريم بلقاسم، كما تعكس هذه الاتفاقيات المصيرية تفوّقا آخر للدبلوماسية الجزائرية في مسار الثورة، حسبما أكده أمس الثلاثاء بالجزائر العاصمة الدكتور عبد الحميد خالدي. وأوضح السيد خالدي، أستاذ محاضر في مادة التاريخ بجامعة الجزائر في محاضرة تاريخية نشطها بمقر المركز الثقافي الاسلامي بالعاصمة حول موضوع: "مفاوصات ايفيان، الوجه الأخر لانتصار الثورة الجزائرية"، أن التزام الوفد المفاوض في هذه الاتفاقيات بالتمسك بعدة ثوابت أساسية على غرار وحدة السيادة الوطنية والأرض والدفاع عن المقومات اللغوية والتاريخية للشعب الجزائري كان سندا معنويا قويا في التفوّق على الوفد الفرنسي بقيادة ممثله لويس جوكس. وأضاف السيد خالدي في هذا الإطار، أن اللقاءات الأولى للمفاوضات وصفت بغير الرسمية بين الجانبين الجزائري والفرنسي وتعود لسنة 1956، وذلك تمهيدا للمفاوضات الرسمية التي جرت عام 1962، حيث التقى في هذه الفترة ممثلون عن الحكومة الفرنسية بقيادة "أندري ماندوس" مع عبان رمضان وبن يوسف بن خدّة إلى جانب لقاءات أخرى مع محمد خيضر في القاهرة ولقاء آخر مع محمد يزيد ببلغراد. واعتبر أن كل هذه اللقاءات أعطت دفعا قويا للحكومة المؤقتة فيما بعد لإجبار فرنسا على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، مشيرا في نفس الوقت إلى الحنكة والخبرة الدبلوماسية للوفد الجزائري الذي تفطّن للمناورات الفرنسية التي كانت تحاول تسيير المفاوضات لصالحها. وتطرّق المحاضر إلى جملة الدوافع الداخلية والخارجية التي أفضت إلى هذه المفاوضات، مشيرا إلى اقتناع الحكومة المؤقتة آنذاك بضرورة انتصار الثورة عسكريا وسياسيا لاسيما مع الانقسام الذي كان يميّز كفاح الشعب الجزائري (الثورة من جهة والنضال السياسي من جهة أخرى)، بالإضافة إلى الاعتراف بالأمة الجزائرية واحدة غير قابلة للتجزئة والإقرار بالوحدة الترابية للوطن وهو مكسب لجهاد وكفاح خاضه الشعب في سبيل الحفاظ على الوحدة الحضارية للأمة الجزائرية. كما أشار المحاضر إلى الصدى الاعلامي الذي خلفته هذه اللقاءات التفاوضية مع تدويل القضية الوطنية في المحافل الدولية إلى جانب المؤتمرات العالمية كمؤتمر باندونغ لحركة عدم الانحياز وهو ما حقّق -حسب المؤرخ- انتصارا دبلوماسيا على السلطات الاستعمارية. وأبرز الأكاديمي في هذا السياق عدم حياد المفاوضات عن بيان أول نوفمبر 1954 الذي جسّدت كل بنوده في إطار مواصلة النضال والكفاح بشتى الوسائل إلى غاية تحقيق الاستقلال، مشيرا إلى أن التمسك بالمبادئ التاريخية السامية للبيان ساهم بدوره في إعطاء دفع جديد للكفاح السياسي من أجل تقرير المصير. ومن جهة أخرى، دعا المحاضر إلى عدم النظر إلى هذه المفاوضات على كونها بنودا ومواد، وإنما يجب أخذها بعين الاعتبار كاستمرار لأرضية كفاح لأنها حافظت على السيادة الوطنية كاملة غير منقوصة. وفي الأخير، شدّد أستاذ التاريخ بجامعة الجزائر على أهمية استغلال البعد الحضاري والثقافي لاتفاقيات ايفيان ومدى تأثيره في نجاحها عوض الاكتفاء فقط بالسرد التاريخي لوقائع هذه اللقاءات وحيثياتها، داعيا جيل اليوم إلى أهمية الاقتباس من بطولاتها والتحلي بشيم الرجال الذين صنعوها في سبيل نيل الحرية والاستقلال.