يرسم الفنان المهندس فريد بنيا المرأة في كل أوجهها؛ مبتسمة في لوحات وكلها فخر بزيّها التقليدي أو حتى بأحمر شفاهها، الذي يعبّر عن عصرنتها، ومفكرّة في لوحات أخرى، حاملة فوق ظهرها الهموم والمشاغل التي لا تنتهي، هي المرأة رمز الحياة والواقع بكل شفافيته، المرأة ملهمة فريد العاشق، والذي يعبّر مرة أخرى عن ولهه بها خلال معرضه بالمعهد الفرنسي، الذي تتواصل فعالياته إلى غاية يوم 28 مارس الجاري. تحيط بزائر معرض «أريان المستقبل» للفنان فريد بنيا، المرأة من كل جانب حتى أنها تلاحقه بنظراتها أو بابتسامتها أو حتى بإحساسها الفيّاض الذي ملأ الدنيا حنانا وعاطفة، المرأة ملهمة فريد، الذي يعبّر عن حبه لها في أكثر من لوحة. وفي هذا يقول ل «المساء»: «رسمت مواضيع عديدة مثل القصبة والصحراء والطبيعة، ولكن تبقى المرأة ملهمتي الأولى؛ فهي مرآة عاكسة للحياة بكل معانيها، وهذا من خلال نفسيتها المتغيرة التي تعبّر لنا عن تقلبات الحياة». وأضاف أن حبه للمرأة لا يحده حدود، ولهذا رسم سابقا لوحات عن قضايا تمسها بالدرجة الأولى مثل الزواج المتعدد والطفولة المسجونة وقضية العذرية وغيرها، وأراد من خلال هذه الأعمال تسليط الضوء بطريقة فنية على كل ما تعانيه المرأة؛ باعتبار أنه رجل، ومن واجبه الوقوف إلى جانبها في كفاحها من أجل نيل حقوقها. بالمقابل، أوضح أن الحياة لا تحمل البؤس فقط، بل في طياتها الكثير من الأشياء الجميلة، ولهذا رسم هذه المرأة؛ سعادة المرأة وفرحتها. أما عن واقع المرأة الجزائرية فيقول فريد إنه في تطور ملحوظ رغم وجود الكثير من الفجوات والنقائص، مشيرا إلى أنه اختار عنوان «أريان المستقبل»؛ تشبيها منه المرأة الجزائرية بالشخصية الأسطورية الإغريقية أريان، التي أنقذت حبيبها من المينوتور (وحش نصفه ثور ونصفه آدمي) بواسطة خيط، استطاع به الخروج من المتاهة، مضيفا أن أريان هي المرأة الجزائرية التي تحمل خيط نجاة مجتمعنا منذ عهد الاستعمار، فالعشرية السوداء إلى اليوم. ولكن ماذا عن المرأة التي لا تؤمن بحقوقها، أليست عدوة نفسها؟ ويجيب الفنان أنه رسم لوحة فيها امرأة حارسة المعبد، ورسم أيضا ميزانا تقليديا في كفته حجر وفي كفته الأخرى امرأة، ويقصد من خلال هذا العمل إبراز عقلية بعض النساء اللواتي يقبلن بالثقافة الذكورية ويدافعن عنها، إلا أنه يؤكد أن هذه العقلية اضمحلت مؤخرا بشكل ملحوظ. وتوقف الفنان عند أكثر من لوحة في المعرض، وقدّم بعض التفسيرات المتعلقة بها مثل لوحة «جذر»، التي رسم فيها وجه امرأة مغمضة العنين وتضع أحمر الشفاه، قال عنها إنها تمثل المرأة العصرية بامتياز، إلا أنه رسم بالقرب منها أشكالا مثل رموز بربرية تعبّر عن التقاليد والهوية؛ فهي إذن متأرجحة بين عالمين، واحد عصري وثان تقليدي، فرغم عصريتها إلا أنها لم تتخلّ عن أصلها. لوحة أخرى «الاتحاد»، رسم فيها وجه امرأة ترتدي وشاحا تقليديا، وعلى هذا الأخير رسم شخصيتين ثانويتين تمثلان امرأة واضحة المعالم تقابل ظل رجل وتضع يديها على صدره وكلها فرحة. ويقول فريد إنه لم يرد رسم معالم الرجل رغبة منه في التعبير عن انتظار المرأة لفارس أحلامها المجهول، ورسم أيضا في هذه اللوحة قرطا كرمز للحلي الأمازيغية. لوحة «داسين» رسمها الفنان عن شخصية داسين شاعرة الهوڤار، حيث رسم بورتريه لها يحمل تعبيرا باطنيا عن قوة شخصيتها وكذا عن حسرتها لحبها المستحيل لموسى أق ماستان، أمين عقال الطوارق والفارس المغوار الذي كان كثير الترحال، فتزوجت من قريبه، ورغم أن الحياة فرّقت بينهما إلا أنها جمعتهما في قبرين جنبا بجنب. ورسم فريد على وشاح داسين حبيبها. أما لوحة «سبيبة» فرسمها في لوحتين، الأولى تضم بورتريه امرأة، والثانية خالية من الأشكال بلون رمادي، وتعبّر عن الحفل الذي يقيمه سكان جنات كل سنة في العاشوراء؛ احتفالا منهم بتغلب سيدنا موسى على فرعون، كما تمثل مناسبة تصالح قبيلتين من الطوارق؛ فرحة منهم بنصر الرسول عليه السلام. وكانت لوحة «خلخال» الوحيدة التي لا تحمل بورتريه، ورسم فيها قدمين من فوقهما خربشة، تدل على الكثير، وقد تدل على يأس الشباب وحيرتهم في الاستقرار بالبلد أو الهروب منه أو حتى حرق أنفسهم. أما لوحة «بصمة» فرسم فيها وجه امرأة تمسك بوشاحها، وربما تحاول نزعه، وفي أسفل اللوحة وضع الفنان اللون الأحمر، الذي قال إنه يمثل الحب بكل قوّته، في حين حملت لوحة «خميسة» ضحكة امرأة تضع عقدا مكونا من مُعينات، في كل منها مثلثات تعبّر عن الخصوبة. وعن الألوان التي يستعملها الفنان في لوحاته قال إنه اختار اللونين الأبيض والأسود في مجموعته التي يعرضها بالمعهد الفرنسي، وأضفى على بعضها اللون الأحمر، مضيفا أنه في العادة يستعمل علاوة على اللونين الأبيض والأسود، كلا من الأزرق والأصفر والأحمر؛ بحجة أنه يطبّق أبجديات الفن الياباني المسمى بالحد الأدنى للفن، والذي ينص على استعمال أقل الألوان والمواد الممكنة للإبداع للوصول إلى أقصى درجة من العاطفة. وفي هذا السياق، أكد الفنان أن تطور فنه تزامن مع التغيرات الحاصلة في نفسيته الداخلية؛ حيث تعلّم إقصاء كل ما هو إضافي في حياته وفنه، ولهذا فهو لا يستعمل إلا ما يستحقه. أما عن فن الديزاين فيرى الفنان أن لوحة ما لا تكفي أحيانا للتعبير عما يريده، فيقوم بوضع منحوتات (مواد معدنية) ترافق اللوحات، مثلما هو عليه الأمر في هذا المعرض، فتزيد من العمل رونقا وتعبيرا أقوى، كما تمثل بصمة الفنان الذي يريد أن يحطم كل ما هو كلاسيكي جامد. وأضاف الفنان أنه يهتم كثيرا بالتفاصيل، ففي كل نقطة حركة يد، كما أنه يهتم بالتفاعل بين موضوع اللوحة والضوء والأسلوب والمنحوتة، فكل شيء قد يصلح للتعبير عن فنه. بالمقابل، تحدّث الفنان عن تأثير الهندسة عمله الأول على فنه، فقال إن ذلك يتضح من خلال استعماله للحبر الصيني والمعادن. وعن التراث قال الفنان إنه يعشقه؛ حيث رسم كثيرا عن التراث الجزائري الثري والمتنوع، داعيا كل فنان إلى التعبير عن دواخله إما بأغنية أو شعر أو رسمة، وهو ما سيزيد من ثراء الجزائر الفني، كما طالب، في نفس السياق، بتقديم الوجه الجميل لتراثنا حتى يكتشفه شبابنا. أما عن قضية المحلية والعالمية فقال الفنان إنه مع المحلية لكن بأبواب مفتوحة. وفيما يخص مسألة وجود سوق الفن التشكيلي من عدمها أجاب فريد بأن سوق الفن التشكيلي غير موجودة في الجزائر؛ بحكم أنه يحتاج إلى قواعد وضوابط غير متوفرة في البلد، مثل وجود قاعدة العرض والطلب، وتشجيع الفنانين، ووجود محترفين وهواة الفن وممولين ومؤسسات خاصة في هذا المجال. بالمقابل، أضاف أن الجزائر تتميز بكم هائل من الفنانين الشباب، الذين يجدون صعوبات لعرض أعمالهم لقلة الأروقة. واشتغل الفنان في عالم الهندسة لسنوات طوال، إلا أن حبه للفن جعله يطلّق زوجته الأولى لصالح قرينته الثانية، وفتح رواقا لعرض أعماله واحتضان الجلسات الأدبية والفنية ما عدا المعارض التشكيلية، التي قال إن تنظيمها يتطلب وقتا كبيرا، ويعمل الفنان بقاعدة المجموعات الفنية؛ أي أنه لا يرسم لوحة وحدها بل يرسم لوحات تحمل نفس الموضوع.