أن تبدع المرأة في أي ميدان تتطرق إليه، فهذا لا جديد فيه، وأن تنتقل من مجال إلى مجال تاركة فيه بصمتها التي لا شبيه لها، فهذا متعارف عليه، وأن تؤكد قدرتها على التعبير عن خوالجها ورؤيتها الناقدة لما يحيط بها فهذا لا شك فيه، ومع ذلك لم تجد فنانات تشكيليات بدا من المشاركة في المعرض التشكيلي المنظّم بقصر الثقافة بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، لإبراز المزيد من مواهبهن في انتظار أن يتم الاعتراف بقدراتهن الإبداعية في كل الميادين وفي جميع الأوقات. عندما تدخل رواق باية بقصر الثقافة، تجد نفسك قبالة أول لوحة لامرأة تدير ظهرها للحضور، فماذا يعني هذا؟ هل هي غاضبة منا أم أنها تقلل من احترامها لنا بهذا التصرف؟ هل ترفض الاحتفال بيومها معتبرة أنها ليست عنصرا يوضع جانبا ويحتفل به مثله مثل الشجرة مثلا؟ وتتزايد أسئلتنا وتكبر حيرتنا، ولكنها سرعان ما تتبدد حينما تأتي إلينا صاحبة اللوحة الغامضة، الفنانة والطبيبة سامية بومرداسي، لتقدم لنا إجابة بسيطة وعميقة في آن واحد ''المرأة لا تدير ظهرها للناس، بل للمشاكل الصغيرة التي قد تنغص حياة الجميع، فهي أكبر من هذه الصغائر''. نعم، هكذا اختارت سامية أن تعبّر عن المرأة وقدرتها في تحمل الشدائد كبيرها وصغيرها كذلك، أما في لوحتها الثانية التي تشارك بها فاهتمت أيضا بالمرأة ولكن بوجه مخالف، حيث رسمت نساء لا تظهر ملامحهن وهن يرقصن ويدعين الجميع بما فيه نحن الجمهور لمشاركتهن فرحتهن، وهذا في جو من الألوان الصاخبة البارزة التي تؤكد حضورها هي الأخرى. من جهتها،اختارت الفنانة التشكيلية عبلة رتاب أن تضع آيات قرآنية مكتوبة بالخط المغربي في لوحاتها التي تسبح فيها ألوان مختلفة، فضمت لوحتاها الأولى والثانية، آيات قرآنية من سورة الرحمان، أما الثالثة فاحتوت على آيات من سورة الفجر، كما طغى اللون الأصفر على مساحة لوحتها الأولى، كدليل على نور الإسلام الذي يدخل القلوب فينيرها ويجلب لها كل الراحة النفسية الذي تحتاج اليها، أما اللوحة الثانية فجاءت ألوانها الحمراء والخضراء والزرقاء في شكل موجات تحمل في أحشائها آيات قرآنية من سورة الرحمن وتعبر عن تيهان الإنسان في هذا العالم المتغيّرة أحواله في كل دقيقة، إلا انه يجد راحته بالعودة إلى القرآن حيث تطمئن القلوب بذكره وتنبهر العقول بآيات الله التي لا تنضب ولا تزول. أما عن اللوحة الثالثة لعبلة، فتضم آيات قرآنية من سورة الفجر وتطغى عليها الألوان الحمراء والزرقاء والوردية، وهي نفس الألوان التي تعّم السماء عند بزوغ الفجر، وفي هذا السياق قالت عبلة خريجة مدرسة الفنون الجميلة ل ''المساء'': ''وضعت آيات سورة الفجر في لوحتي، تيّمنا بوقت الفجر في حد ذاته الذي تقّسم فيه الأرزاق، أما عن اختياري لسورة الرحمن في اللوحات الأخرى، فهذا يعود إلى قدرة هذه السورة بصفة أدق على إراحة القلوب، فعندما نقول كلمة الرحمن نشعر بالاطمئنان والسلام النفسي''. وعن اختيار عبلة للخط المغربي، تقول أيضا:''أردت تسليط الضوء على الخط المغربي، خاصة انه قليل الاستعمال في الجزائر، كما أنه يمكن استعماله في أكثر من فن كالنحت والزجاج والطرز وغيره''. وأضافت: ''أريد أن أحبّب الخط المغربي بصفة خاصة والعربي بصفة عامة للناشئة، فأنا كأستاذة أدرّس في الثانوية، يهمني أن أحبّذ هذا الخط عن طريق مزجه بالفن التشكيلي''. غير بعيد عن الفن والتعليم، نجد سهام بن فريحة، الفنانة العصامية والمعلّمة في نفس الثانوية التي تدرّس فيها عبلة، قد اختارت أن ترسم الصور التي تصاحب المخطوطات الإسلامية بهدف إبرازها، بعد أن اندثر الكثير منها، فرسمت في لوحة جلسة من جلسات مقامات الحريري، حيث كان العلماء يتبادلون المعارف حول الفلك في أهم مرصد فلكي (كازاخستان)، وفي هذا السياق قالت ''أغلب المخطوطات تضم رسومات تشرح مضامينها ولكن هذه الأخيرة أهملت عندما اهتم بطبع نصوص المخطوطة من غير الرسومات، وأصبو في المستقبل القريب إلى عمل نفس الشيء بالنسبة للمخطوطات الجزائرية، أي أن أعيد رسم رسومات مخطوطاتنا''. ولم تتوان بعض هاويات الفن التشكيلي المنخرطات في جمعية الفنون الجميلة التي يقع مقرها في غرمول (العاصمة) واللواتي تعلمن أبجديات الرسم في هذا الفضاء، في المشاركة في هذا المعرض نذكر من بينهن، فوزية لخضاري التي أعادت رسم ثلاث لوحات واحدة منها لمنزل رسم لأول مرة سنة 1924ومسجد تلمساني في سنة ,1925 أما زميلتها بيبا آيت شافع فأعادت بدورها رسم ثلاث لوحات واحدة لأحصنة وأخرى لامرأة ترتدي زيا تقليديا، ودائما في نفس السياق، شاركت حياة مزيتي في هذا المعرض. وأكدت فوزية على استعدادها رفقة زميلاتها للمشاركة في الطبعة القادمة لهذا المعرض بلوحات من تصميمهن الخاص. مضيفة أنهن تعملن الكثير من التقنيات الخاصة بهذا الفن، كالرسم الزيتي والاركليك والقوانش، وهذا بحثا عن الستايل الخاص الذي سوف تتبعه كل واحدة منهن لاحقا. أما بيبا التي مارست الرسم قبل التحاقها بالجمعية على الزجاج ومواد أخرى، فقد تمنت أن يخرج الرسامون الجزائريون من رسم المواضيع التقليدية كالقصبة والصحراء وغيرها. واتفقت الفنانة العصامية الشابة ماليا بن علي خوجة مع بيبا، فيما يخص ضرورة تجديد المواضيع المختارة في الرسم، فقدمت في هذا المعرض مجموعة من اللوحات التجريدية المعاصرة، بديزاين عصري، في حين اهتمت ناديا عيسات بالأزياء التقليدية الجزائرية كالبرنوس والحايك، في شكل منحوتات ألصقتها في لوحاتها، بينما رسمت جهيدة هوادف المرأة بملامح جميلة كالعروس التي تجلس على أريكتها والفرحة بادية عليها وهذا في وسط محيط مليء بالألوان والفرحة.