إذا كنت تشعر بالضيق والوجع من كل المآسي التي تغمر عصرنا، فهلم إلى معرض سهيلة بلبحار الذي يعرف أيامه الأخيرة برواق ''دار الكنز'' بدار الضياف (الشراقة)، لتجد نفسك قبالة لوحات تغمرها الخضرة والطبيعة الحسناء وأخرى تملؤها الأنوثة والنعومة الراقية وثالثة تعبرّ عن تراثنا الثري والمتنوّع. ارتأت الفنانة القديرة سهيلة بلبحار أن تسعد جمهورها العريض من خلال عرض باقة من لوحاتها التي أنجزتها في الفترة الممتدة من 1999إلى ,2012 والبداية بلوحة ''ربة الخصوبة'' التي تشكّل مقدّمة هذا المعرض (أنجرت سنة 1999)، حيث اختارت الفنانة اللون البني والأسلوب التجريدي لتعبّر عن الخصوبة، كما لم تبتعد كثيرا عن هذا اللون في لوحتها ''راعي صخرة'' (2000)، حيث رسمت هيئة راع بأشكال هندسية متنوّعة يقوم بحراسة قطيعه، ودائما في نفس الإطار رسّمت الفنانة سنة 2001 لوحة ''دراسة صخرية'' تضم هيئتين تمسكان بأيدي بعضهما البعض في محيط ترابي مضيء... وها هي ''لالة زينب'' اللوحة التي أنجزت سنة ,2004 تنظر إليك بعينين عميقتين وكبيرتين، واعتمدت سهيلة في هذه اللوحة على العديد من الألوان كالأحمر والأزرق والأصفر، بينما جاءت عمامة زينب باللون الأزرق الغامق. وعودة سريعة إلى عالم الصخور حيث رسمت الفنانة سنة 2005 لوحة ''سيدة صخرة'' تبرز بالفن التجريدي شكل امرأة راكضة ويلمح فقط جانب من وجهها. أما من سنة ,2006 فاختارت سهيلة من الرسومات التي حقّقتها في هذه السنة، لوحة ''باقة صيف'' تضمّ مزهرية تحمل باقة أزهار بيضاء تجلب انشراح صدر من يشاهدها. في حين جاءت سنة 2007 محملّة بأربع لوحات تعبّر عن العلاقة الوطيدة بين المرأة والزهرة من بينها لوحة ''المرأة البتلة، الحنان'' التي جاءت في شكل هيئة يغلب عليها الأزرق رأسها إنسي وجسدها نباتي، أمّا لوحة ''المرأة البتلة، فلة''، فرسمت فيها الفنانة هيئة امرأة ترتدي فستانا زهريا وتحيط بها أزهار ومساحات خضراء وعيناها مغمضتان وكأنّها في عالم آخر.. عالم سحري جذاب بعيد عن الواقع. ولم تستثن سهيلة الإحساس الرائع بالأمومة، فرسمت في نفس السنة لوحة ''الأمومة'' بأسلوب شبه تجريدي وتظهر امرأة بملامح غير سوية ترضع هيئة على شكل رضيع. بينما انتقت الفنانة أربع لوحات أيضا من سنة 2008 من بينها لوحة ''الحكيم ورفاقه'' رسمتها الفنانة بمناسبة يوم العلم، حيث جسّدت في لوحتها شخصية الأمير عبد القادر ينظر بحزم ورقّة في آن واحد، أمّا عن رفقائه فجاؤوا بملامح غير دقيّقة، أمّا سنة ,2009 فشهدت عودة المرأة البتلة التي تميّز فن سهيلة المعروف بعفويته، وقامت هذه المرة بدمج المرأة والطيور، فكانت لوحة ''امرأة بتلة ويماماتها'' تضمّ امرأة في لباس زهري تضرب الدف واليمام يحوم عليها ليزيد من رونق المشهد، هذه المرأة التي جعلتها الفنانة ملكة ولو ليوم واحد في لوحة ''ملكة يوم''، كيف لا وهو يوم عرسها، وهنا رسمت الفنانة عروسا جميلة ترتدي لباسا تقليديا مزيّنة بالحليّ ويحيط بها أعضاء فرقة فنية وتجلس بجوارها امرأة أخرى ربما تكون أختها تشاركها فرحتها. سبع لوحات من سنة 2010 شاركت بها سهيلة في هذا المعرض، من بينها ست لوحات كلّها عن المرأة البتلة، كيف لا وهي التي تؤكّد على حب الفنانة للمرأة من جهة وللنبتة من جهة أخرى، مترجمة هذا العشق في لوحات تكثر فيها الألوان الخلاّبة وتسبح بين أطرها نساء جميلات بلباسهن النباتي وكلّهن سعادة بوجودهن ضمن مناظر طبيعية جميلة. وفي هذا السياق، جاءت لوحة ''امرأة بتلة، حضانة''، في شكل جميل حقّا يعبّر عن حبّ الأم لرضيعها، واستعملت الفنانة هنا ألوانا فاقعة مثل الأصفر والأحمر والأزرق، فجاءت اللوحة تلفت الأنظار وتشدّ الألباب، بينما لوحة ''غناء العندليب ''2 رسمت فيها الفنانة امرأة بثوب زهري كالعادة، إلاّ أنّها هذه المرة تعزف على الكمان. بالمقابل لم تتوقّف الفنانة عن رسم شخصياتها الخيالية وحسب، بل رسمت أيضا نساء من واقعنا وهو ما نراه في لوحة ''زهرة الرمال'' التي رسمت فيها ترقية ملحّفة تحدق فينا بكلّ صراحة، عكس النساء الخياليات اللواتي رسمتهن سهيلة مغمضات العيون. وعرضت الفنانة من سنة2011 أربع لوحات نذكر منها لوحة ''المرأة البتلة، ماما حديقة'' و''حراس التقاليد''، الأولى على نفس شاكلة اللوحات حول المرأة البتلة، أي أنّها على شكل امرأة ترتدي فستانا زهريا ومزركشا أيضا بالألوان الوردية والزرقاء والحمراء، والثانية جاءت بألوان باهتة وتضمّ هيئات لتوارق وترقيات، واقفين بكلّ حزم وكأنّهم يواجهون كلّ من يريد من بعيد أو من قريب أن يمس تراثهم وتقاليدهم العريقة. ومثل لكل بداية نهاية، ختمت الفنانة معرضها الاستذكاري بثلاث لوحات حديثة من السنة الجارية، هي ''المرأة البتلة، وشاح وفراشة''، ''المرأة البتلة، نفل بأربع ورقات'' و''ربيع الميموزا'' التي تضمّ مزهرية بباقة من زهر أبيض وزهر الميموزا. للإشارة، سهيلة بلبحار فنانة تشكيلية وعضو في الاتحاد الوطني للفنون الثقافية منذ سنة ,1972 ابتكرت أسلوبا جديدا بعنوان ''النساء البتلات'' الذي يضمّ هيئات على شكل نساء يرتدين ثيابا نباتية، كما استلهمت فنها أيضا من فن الصخور، بالإضافة إلى استعمالها للحبر الصيني، لتلتحم كلّ هذه التقنيات في أسلوب سهيلة الذي يتميّز بالخفة والعمق في آن واحد، وعرضت الفنانة لوحاتها في معارض فردية وجماعية، كما أنجزت رسومات لطوابع بريدية، وظفرت بالعديد من الجوائز مثل ميدالية ريشة الفن والسلم.