لا حديث هذه الأيام في منطقة جنوب شرق آسيا سوى عن شبح الحرب المخيم على شبه الجزيرة الكورية والخوف المحدق بكل شعوبها، على خلفية التصعيد الكوري الشمالي والجنوبي وانتقال عدواه إلى الولاياتالمتحدة. وبلغت درجة الخوف من شبح هذه الحرب التي يخشى أن تأخذ أبعادا نووية، إقدام سلطات مدينة يوكوهاما القريبة من العاصمة اليابانية طوكيو على نشر خبر عاجل، أكّد إقدام بيونغ يونغ على إطلاق صاروخ باليستي باتجاهها، وطالبتهم باتخاذ احتياطاتهم وترقب الأخبار التي تنقلها إذاعات وتلفزيونات البلاد، قبل أن يتأكد أن الخبر لا أساس له من الصحة. ورغم مسارعة سلطات هذه المدينة إلى تكذيب الخبر دقائق بعد بثه وتقديمها لاعتذار رسمي، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لإزالة درجة الرعب التي أحدثتها في أوساط السكان الذين اعتقدوا أنهم وقعوا فعلا في فخ متاهة حرب نووية. ويؤشر هذا التصرف الذي أرعب أكثر من 40 ألف شخص على درجة الخوف التي تنتاب هذه الأيام شعوب مختلف الدول الآسيوية، التي تدرك أكثر من غيرها حجم الخراب الذي قد ينجم عن أي انزلاق عسكري بين الأختين العدوتين في شبه الجزيرة الكورية. وكانت السلطات اليابانية وضعت كل دفاعاتها الجوية وبطارياتها المدفعية المضادة للصواريخ من طراز باتريوت في حالة استنفار تحسبا لأي طارئ، على خلفية اللهجة المحتدة بين بيونغ يونغ وسيول وبطريقة متعدية مع واشنطن. والحقيقة أن حالة الاستنفار التي اتخذتها السلطات اليابانية ليست سوى الجزء القليل من درجة التأهب التي اتخذتها السلطات الكورية الجنوبيةوالأمريكية، اللتان رفعتا من درج التأهب في صفوف قواتهما العسكرية ضد ما أسموه بالتهديد الجدي الذي أصبحت تشكله كوريا الشمالية من الدرجة الثالثة إلى الدرجة الثانية. وكانت سلطات كوريا الشمالية أكدت أمس، عزمها القيام بسلسلة تجارب لصواريخ نووية بعيدة المدى قد يصل مداها إلى السواحل الغربيةالأمريكية وجزيرة غوام، مع اقتراب الاحتفالات بعيد ميلاد مؤسس كوريا الشمالية كي ميل سونغ المصادف ليوم 15 أفريل وأيضا مع زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري رفقة الأمين العام لحلف الناتو انديرس فوغ راسموسن إلى العاصمة سيول. وذهب وزير الخارجية الكوري الجنوبي يون بيونغ سي إلى حد التحذير أمام نواب برلمان بلاده، أن إطلاق بيونغ يونغ لاي صاروخ قد يكون اللحظة، وجعله يحذر السلطات الشمالية من مغبة الإقدام على هذه الخطوة واحتمال تعرضها لعقوبات دولية جديدة. ورغم المنحى التصاعدي لدرجة التهديد المحدق بشبه الجزيرة الكورية ودول جنوب شرق آسيا، إلا أن الولاياتالمتحدة مازالت تراهن على دور روسي صيني لدى بيونغ يونغ من أجل إقناع سلطاتها بعدم تصعيد الموقف إلى أكثر مما هو الآن. وتقيم بكين وموسكو علاقات متميزة مع آخر الأنظمة الشيوعية في القارة الآسيوية والعالم، وهو ما أهلهما لأن يلعبا هذا الدور، من خلال ممارسة ضغط متزايد كوريا الشمالية التي تعتمد بشكل كبير على مساعدات هذه الدول لإنقاذ اقتصاد الهش من انهيار وشيك. ولكن الاستعداد الذي أبدته روسيا من أجل تهدئة الأوضاع، لم يمنع وزيرها للخارجية سيرغي لافروف، ليحذر في المقابل من أية مناورات عسكرية غربية جديدة في عرض سواحل شبه الجزيرة الكورية، لأن ذلك سيكون بمثابة صب الزيت على نار متأججة وبما ينذر بحرب فعلية. وقال لافروف قبل لقاء مرتقب مع نظيره الأمريكي جون كيري بالعاصمة البريطانية، إنه لا يحق لأي أحد أن يرهب الآخرين بمناورات عسكرية جديدة، لأن هناك حظوظا كبيرة من أجل تهدئة الأوضاع. وهو تصريح يوحي أنّ الدبلوماسية الروسية تحركت فعلا باتجاه إقناع السلطات الكورية الشمالية من أجل منع وقوع أي انزلاق للوضع العسكري أكثر مما هو الآن.