سارت الأوضاع في شبه الجزيرة الكورية باتجاه تصعيد أكبر بين الشقيقتين العدوتين وسط مؤشرات متزايدة لاحتقان أكبر قد يؤدي إلى انزلاق باتجاه المواجهة العسكرية. وأخذ الوضع هذا المنحى إلى درجة أن كوريا الشمالية وتحديها المتواصل للدول الغربية جعلها تؤكد أنها لم تعد معنية بالهدنة العسكرية التي حكمت علاقاتها مع كوريا الجنوبية منذ سنة 1953 تاريخ انتهاء الحرب بينهما. ولم تكتف بيونغ يونغ في قبضتها الحديدية بذلك فقط بل ذهبت إلى حد التهديد بضرب جارتها الجنوبية إن هي تجرأت على الانضمام إلى معاهدة منع الانتشار النووي التي أقامتها الولاياتالمتحدة سنة 2003 . وبدلا من أن تخضع كوريا الشمالية للضغوط والانتقادات الدولية التي تلت إقدامها على ثاني تجربة نووية في أقل من ثلاث سنوات إلا أنها فضلت السير في طريق التحدي المفتوح ضد الولاياتالمتحدة وأقدمت على إطلاق صواريخ متوسطة المدى أمس في رسالة واضحة أنها لن تتراجع ولن تخضع للضغوط الدولية في نفس الوقت الذي أعادت فيه تشغيل مفاعل يونغ بيون المختص في إنتاج الوقود النووي والذي أنتج أول قنبلة نووية كورية شمالية. ويبدو من خلال ردود الفعل الغربية والدولية عامة أن سلطات كوريا الشمالية قد نجحت في تحديها بدليل أن الدول الغربية، الصين وروسيا لم تنجح إلى حد الآن في التوصل إلى صيغة توافقية بينها من أجل اتخاذ موقف موحد ضد "الخطر النووي الكوري الشمالي" على المنطقة والعالم. وربما كانت بيونغ يونغ قد أدركت حقيقة مثل هذا التشرذم مما جعلها تتحدى الجميع نكاية في أعضاء مجلس الأمن الذي فرض عليها أقصى عقوبات يوم 13 افريل الماضي أياما بعد إطلاقها لصاروخ باليستي وكان ذلك سببا في خروجها من المفاوضات السداسية. ويؤكد تأخر مجلس الأمن الدولي في اتخاذ قرار جديد في التعاطي مع التحدي الذي فرضته بيونغ يونغ أنه وجد صعوبة في التوصل إلى صياغة لائحة ترقى إلى درجة التحدي الذي رفعته كوريا الشمالية في وجه مجموعة الستة. وفي انتظار ذلك فإن كوريا الشمالية لم تفوت هذا التصعيد لترفع من لهجتها باتجاه جارتها الجنوبية التي أبدت رغبة ملحة في الرد على تحدي بيونغ يونغ النووي بالانضمام إلى معاهدة منع الانتشار النووي التي تسهر الولاياتالمتحدةالأمريكية وقواتها المرابضة في المحيط الهادي على احترامها واعتبرت ذلك بمثابة إعلان حرب عليها لأن ذلك سيجعل من سفنها عرضة للتفتيش المتواصل على أمل حجز مواد يشتبه أن توجه للبرنامج النووي الكوري الشمالي. وقد استعملت كوريا الشمالية لهجة بالغة الشدة عندما أكدت أن مجرد اعتراض سفنها أو تفتيشها يعد تحد لها وأنها سترد عليها بتدخل عسكري قوي وفوري". وتكون السلطات الكورية الجنوبية قد تفهمت تهديد أختها الشمالية وجعلتها تلطف من لغة تعاملها مع الوضع وأكدت أنها لم ترسل أية تعزيزات عسكرية إلى الحدود المشتركة معها بقناعة حتمية التريث في التعامل مع الوضع. وتكون سيول قد أخذت في الحسبان البرودة التي انتابت مواقف دول مجموعة الستة بعد حرارة الرد الأولي الذي رافق صباح الاثنين التجربة النووية الكورية الشمالية وصواريخها الخمسة التي أطلقتها. ودخلت شبه الجزيرة الكورية وسط هذا التطاحن الدبلوماسي والوعيد العسكري في حالة من الترقب وخاصة وأن مجلس الأمن الدولي بقي رهين صراعات وحسابات أعضائه الخمسة الدائمين رغم إجماعهم على إدانة التحدي الكوري الشمالي. وهو ما يدفع إلى القول أن روسيا مثلا والصين أكبر حليفين لكوريا الشمالية سيسيران في فلك الموقف الأمريكي والغربي عامة والتضحية بالتالي بعلاقاتهما التاريخية مع بيونغ يونغ وردعها بعقوبات قد تؤثر على علاقاتهما معها. وحتى إذا سلمنا بأن موسكو وبكين سارتا إلى جانب العقوبات المحتملة التي يمكن أن يفرضها مجلس الأمن على كوريا الشمالية فإن السؤال الذي يطرح هل ستتمكن هذه العقوبات الجديدة أن تحد من الطموح الكوري الشمالي في مواصلة أبحاثه وتجاربه النووية وتطوير أسلحتها الحالية. سؤال جدير طرحه وخاصة وأن العقوبات التي تخضع لها منذ سنوات لم تثنها عن إنتاج وتجريب قنبلتين نوويتين وتجريب صواريخ باليستية وأخرى متوسطة وقصيرة المدى.