ترفرف الروح عاليا في سماء معرض الفنان التشكيلي جمال طالبي، وتركن في أكثر من لوحة، ثم تعيد الطيران بعيدا في سماء يغمرها الخيال ويصبح فيها المستحيل مباحا وسهل المنال. «أسرار الروح”، ”بدون جسد وبدون روح”، ”ضحية الزمن”، ”الفجر”، ”نور على نور”، ”المتاجرة بالأعضاء البشرية” و«الرمادي الآخر” وغيرها من اللوحات العشرين للفنان جمال طالبي، معروضة حاليا برواق ”عسلة حسين” التابع لمؤسسة ”فنون وثقافة”، وهذا إلى غاية آخر يوم من الشهر الجاري. اتّبع الفنان جمال طالبي في معرضه، تقنية الرسم الزيتي والأسلوب التجريدي للتعبير عن نظرته الفنية والحساسة لما يحيط به، وكذا للمتغيرات الحاصلة في مجتمعه، كما ركز بصورة كبيرة على اللون الرمادي، اللون الذي يتوسط اللونين الأسود والأبيض الرامزيّن للخير والشر أو لأقصى الأمور.وضمت لوحة ”الرمادي الآخر1” ألوانا غير مثيرة، مثل الرمادي، الأسود والأبيض، وأشكالا هندسية مختلفة، إلا أن الفنان استعمل أيضا في هذه اللوحة، شيئا من الأصفر، الأحمر والبرتقالي، فالحياة وإن كانت حزينة أحيانا، إلا أنها تضم أطيافا من اللحظات السعيدة والفرحة. ورسم الفنان أيضا لوحة ”الرمادي الآخر2” التي استعمل فيها اللون الرمادي بمختلف تدرجاته، أما اللوحات التي تحدث فيها الفنان عن الروح، فكانت لوحة ”أسرار الروح” في حجم كبير، وتضم ثلاث هيئات أشخاص باللون الرمادي، وضعهم الفنان في واجهة اللوحة بشكل واضح وكأنهم يتحدّون الجمهور، زائر المعرض، في قدرة اكتشاف أسرار الروح، وكم هي كثيرة وكم هي عميقة. أما لوحة ”بدون جسد بدون روح”، فرسم فيها الفنان شكلا وكأنّه جذع إنسان أو كل ما تبقى منه، فحتى روحه تخلت عنه وما رضيت أن تغدو وتجيء في جزء من جسد الإنسان وحسب، بل هي ومن شدة وسعها وكبرها لا يمكن إلا أن تجد نفسها تسبح في جسد كامل، وليس في جزء صغير منه. ولم يشأ الفنان إلا أن يعبر في معرضه هذا عن قضايا حساسة جدا، مثل مسألة المتاجرة بالأعضاء البشرية، وهذا في لوحة رسم فيها الفنان أشكالا متباعدة وكأنها أعضاء جسد متلاشية ومتناثرة هنا وهناك، رمز لهذه التجارة المريبة والخطرة التي تجاوزت كل الأعراف ومست بصميم الإنسان، بجسده الذي كرّمه الله، فجاء الإنسان أخ الإنسان وتاجر بما لا يجب أبدا أن يتاجر به. أما الوقت الذي نجده، حسب مقولة لأحد الحكماء، ”بطيئا حينما ننتظر، سريعا حينما نخاف، طويلا حينما نحزن، قصيرا حينما نفرح، وغير منته حينما نتألم، وقاتل حينما نكون في حالة فراغ ومتوقف حينما نحب”، فرسم عنه الفنان لوحة ”ضحية الزمن”، حيث رسم هيئة شخص في وسط رمادي، وتلعب في أعماقه ألوان زاهية، وكأنّه متوقّف جامد يعايش مطبات الزمن وألاعيبه. ورسم الفنان لوحات أخرى، مثل لوحة ”نور على نور” التي طغى عليها اللون الأبيض، فكانت بحق لوحة من نور، في حين عبر في لوحة ”لوح محفوظ” عن الدراسة في الكتاتيب، حيث كانت اللوحة وسيلة الطالب للتعلم. كما رسم أكثر من لوحة بدون عنوان، حيث لم يستطع أن يحددها بعنوان، بل جعلها حرة طليقة، وجاءت كل لوحة منها تحمل أشكالها الخاصة وألوانها أيضا، مثل لوحة ضمت هيئتين لرجلين يرتديان وشاحا أسود، ولا يظهر أي جزء من جسدهما، بالكاد تبرز أعينهما، ومحاطان بأشكال بيضاء أضفت النور على اللوحة. للإشارة، جمال طالبي متحصل على شهادة التعليم الفني سنة 2002، وشهادة دراسة الفنون الجميلة سنة 2003، شارك في العديد من المعارض الجماعية بمختلف المدن الجزائرية، وبفرنسا أيضا، كما نظم معرضين اثنين من غير هذا المعرض في كل من بجاية وتيزي وزو، وتحصّل الفنان على الجائزة الأولى للصالون الوطني للفنون التشكيلية بالمتحف الوطني ”أحمد زبانة” بوهران، وجائزة ”الغونتاس” في صالون الجلفة للفنون التشكيلية في طبعته السابعة.