لم يستطع إيف سالفا، أو لم يشأ، أن يتخلص من مشاهد العنف والتعذيب التي شهدها طيلة عامين خلال الاستعمار الفرنسي للجزائر، فكتب مؤلفا حول هذه القضية، مستندا علاوة على شهادته، بشهادات خمسة عشر من أقرانه الذين عايشوا مثله غشم الاستعمار الفرنسي وسطوته، ومن ثم تبرئه من دم الذئب بكل وقاحة. وفي هذا الصدد، صدر لسالفا كتاب بعنوان”حرب العار، عمليات تعذيب في حرب الجزائر 1954-1962” عن دار ”سيديا”، سيقدمه اليوم بالجزائر، وبالضبط في ”دار عبد اللطيف”، أعطى من خلاله الكلمة لزملائه الذين شاركوا في حرب الجزائر وقاسموه جحيمها، فلم تبارح مشاهد التعذيب ذاكرتهم، ولم يجدوا بعدها راحة بال، ليقرروا تقديم شهاداتهم والتنديد بالتعذيب الذي طال الجزائريين أصحاب الأرض الحقيقيين. ولم يخف إيف من جس نبض زملائه والاقتراب من نفسيتهم وتحريك ضمائرهم، في وقت يقصي أكثر الكتاب المؤرخين هذه الجوانب من كتاباتهم، كما توقف كثيرا عند قضية التعذيب في الجزائر، وطرح أسئلة كثيرة عنها، متغلغلا في أعماقها ومتسائلا أيضا عن غياب العامل الإنساني الذي أدى إلى القيام بمثل هذه الأفعال. انخرط إيف سالفا في الجيش الفرنسي أثناء فترة احتلال الجزائر لمدة عامين كاملين، حيث حضر عمليات التعذيب التي قال عنها؛ إنها كانت مشاهد لا تحتمل، وبقيت راسخة في ذاكرته، وهكذا قدم شهادته وشهادة كل من وجد نفسه أمام تطبيق أوامر مسؤوليه (حتى وإن لم يكن راضيا عنها أو غير متفهم لها)، أو كان بقرب الذين مارسوا التعذيب ولم يستطيعوا فعل أي شيء لتوقيف هذه الإجراءات غير الإنسانية من طرف رجال قدموا من بلد يدّعي أنه معقل الحرية وحقوق الإنسان. وكتب سالفا في بعض مقتطفات كتابه ”اُغتصبوا في إنسانيتهم وعُنفوا سواء كانوا شاهدين أو فاعلين، هم ضحايا الحكم في تلك المرحلة الذين حوّلوهم إلى قتلة وإلى مُعذبين”، كما طالب في كتابه بضرورة قول الحقيقة المرّة حول كل العنف والتعذيب الذي مارسه عناصر الجيش الفرنسي تحت إمرة أشخاص يحملون نظرة عنصرية وقاتلة. وحمل الكتاب هذا الإرث المأساوي الذي ورثه ضباط سابقون لم يهنأوا بعيشهم بعد ما شاهدوا عمليات التعذيب، فجاء على شاكلة تحقيق قضائي لضباط يريدون التخلص من الإحساس بالذنب، فاعترفوا علهم يجدوا الراحة النفسية، كما جاء أيضا عبارة عن رحلة قاسية إلى الماضي العنيف الذي صنعه رجال بحجج واهية، مثل تحقيق السلم والحضارة الغربية. وندد الكاتب بعمليات التعذيب بصورة واضحة ومباشرة، وكتب عن الذكريات الأليمة التي مافتئت تسبح في عقله وعقل كل من ساهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في عمليات التعذيب، بالمقابل يمثل هذا الكتاب شهادة صادقة أمام الأجيال الجديدة، في وقت يظل الاعتراف الفرنسي الرسمي بجرائم الحرب في الجزائر غائبا، وهكذا قام إيف سالفا وآخرون بعرض الحقائق أمام الجمهور والتنديد بواقع من المستحيل نسيانه. للإشارة، إيف سالفا كاتب فرنسي ولد عام 1936 بمدينة ميلاس، مجند سابق في الجيش الفرنسي لمدة عامين، عمل بعد عودته إلى فرنسا كمناضل للقضايا العادلة، كما كتب عدة مؤلفات عن الجزائر مثل؛ ”ذكريات من حرب الجزائر”، ”هذه الأرض التي أحبها” و”حرب العار”.