أخيرا اتفق فرقاء الازمة اللبنانية على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مغلبين خيار العقل على متاهة المواجهات الدامية التي خلفت في أقل من أسبوع 65 قتيلا وكادت تدخل لبنان في متاهة حرب أهلية جديدة. ووافق أطراف المعضلة اللبنانية على ارجاع سيوفهم الى أغمادها والدخول في مفاوضات مباشرة بعد يوم من المشاورات الماراطونية التي أشرف عليها وفد الوساطة العربية المنبثق عن الاجتماع الطارئ لمجلس وزراء الخارجية العرب بداية الاسبوع الماضي بالعاصمة المصرية. وينتظر أن تكون العاصمة القطرية، الدوحة على موعد حاسم وقد يكون تاريخيا لطي صفحة الاقتتال والخروج باتفاق يعيد الحياة السياسية اللبنانية إلى طريقها الطبيعي بعد الازمة الحالية والفراغ الدستوري الذي تعيشه بلاد الأرز منذ شهر نوفمبر الماضي. وكان تمكن الوفد العربي برئاسة وزير الخارجية القطري باقناع طرفي الصراع اللبناني بانتهاج مواقف لتلطيف الأجواء وقبول الوساطة بمثابة أكبر مكسب يحققه الوفد على الأقل من أجل تهدئة النفوس وإعادة الثقة الى كافة أطياف الشعب اللبناني الذي استعاد شبح الحرب الأهلية الأخيرة ومآسيها (1975-1988). وتأكد هذا الانفراج بعد تشنج المواقف بعد أن أعطى الفرقاء موافقتهم على سحب كل مظاهر التسلح من شوارع المدن الكبرى ووقف كل المواجهات وإفساح المجال أمام الجهود الدبلوماسية لعلها تثمر نتيجة إيجابية تنهي حالة الإحتقان التي ميزت الساحة اللبنانية لهدة أشهر. وبدا الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الذي كان ضمن الوفد العربي أمس متفائلا بخصوص حدوث نقلة نوعية بل وعملاقة باتجاه نهاية الازمة عندما أكد أن انتخاب قائد الجيش اللبناني العميد ميشال سليمان سيكون خلال أيام. ويدرك عمرو موسى أكثر من غيره وقع تصريحه وهو الذي فشل في مساعيه السابقة لتمرير المبادرة العربية الخاصة بتسوية صراع المعارضة والموالاة في لبنان وكان في كل مرة يعود الى القاهرة بخيبة أمل إضافية ومخاوف من انزلاق الوضع العام باتجاه المجهول، وهو ما وقع في نهاية المطاف باندلاع الاقتتال بين الإخوة - الأعداء. وحج قادة الأحزاب اللبنانية وإئيس الحكومة فؤاد السنيورة تباعا الى العاصمة القطرية للبدء في مناقشة حيثيات المقترحات العربية واحدة بواحدة، والتي جاءت في ست نقاط أساسية لإنهاء القبضة الحديدية التي ميزت مواقفهم وكادت أن تعصف بلبنان في غياهب مجهول نهايته حرب أهلية مدمرة. ورحبت الصحف اللبنانية بمختلف توجهاتها مثمنة الإنجاز العربي الذي تمكن من تفادي الكارثة المحتومة لوضع أوشك على الإنفجار واعتبرت آخر التطورات ب "المعجزة" ولكنها أبقت على محدودية درجة تفاؤلها بعد أن أرفقت ترحيبها بمخاوف من فشل محتمل. وكتبت صحيفة " النهار" المقربة من أحزاب الأغلبية اللبنانية أن الاتفاق في بعض نقاطه، يمكن أن نصفه بالانجاز القريب من المعجزة، ولكن الأهم من ذلك أن يجد الإتفاق طريقه إلى التطبيق. وأضافت الصحيفة أن الوفد العربي تمكن من الحصول من كل الفرقاء على اتفاق واضح وشامل. وفي نفس السياق أكدت صحيفة " الأخبار" المقربة من أحزاب المعارضة أن ندوة الدوحة تعتبر هدنة وفرصة سانحة للتسوية وأن اللبنانيين تنفسوا الصعداء لسماعهم خبر التوصل الى الاتفاق وشعروا أن شبح الحرب الأهلية قد ابتعد دون رجعة". وكتبت صحيفة " الديار" الموالية لسوريا أن اللبنانيين لم يصدقوا إمكانية التوصل الى تسوية للأزمة ولكن مفاجآتهم وفرحتهم كانتا أكبر عندما سمعوا بخبر التوصل إلى الاتفاق.