مهمة المجلس الأعلى للغة العربية حاليا هي جمع المعلومات ميدانيا على هامش مشاركة الأديب عزّ الدين ميهوبي في فعاليات الملتقى الوطني حول جمعية العلماء المسلمين والثورة التحريرية مؤخرا بقسنطينة، فتحت ”المساء” هذا الحوار مع صاحب رواية ”اعترافات أسكرام”، ليتحدث عن مهمته الجديدة على رأس المجلس الأعلى للغة العربية، وعن جديده في حقل الكتابة الأدبية وانطباعه حول تعديل الدستور، كما تناول موضوع تتويج مدينة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية، بالإضافة إلى مواضيع أخرى.
من منطلق منصبكم الحالي على رأس المجلس الأعلى للغة العربية، كيف تقيّمون واقع اللغة العربية على المستوى الوطني والعربي؟ ببساطة، نستطيع أن نستشف ذلك من خلال الاطلاع على نسبة المساهمة العربية عبر إعلامييها ومثقفيها ومفكريها، داخل محتوى الشبكة العنكبوتية أو ما يصطلح عليه بالإنترنت عبر المواقع والمنتديات وكذا اليوتوب، والتي لا تزيد عن 3 بالمائة، والمشكل أن أغلبها هي مساهمات لمؤسسات غير عربية تقوم بالنشر والترجمة، كما أن 75 % من النسبة المذكورة تستحوذ عليه المملكة الأردنية لوحدها، 10 % لجمهورية مصر العربية وباقي الدول العربية بما فيها الجزائر تتقاسم ال15 %، وهذه نسبة ضئيلة جدا لنا كجزائريين وغير مقبولة ولا تعكس الإنتاج العربي في مختلف المجالات، خاصة إذا كنا نريد التصدي للغزو الثقافي والتحاور مع العالم لإيصال ثقافتنا، فأظن أن الدعوة ستكون موجهة للنخبة الجزائرية والعربية من أكاديميين ومثقفين عبر الجامعات، ومراكز البحث لتوجيه وبذل جهود أكبر من خلال إنزال جميع إصداراتها للعالم واختراق هذه الشبكة، وتغيير الوضع الحالي، أين تصنف أفضل جامعة عربية في المركز ال47 على المستوى الإفريقي من خلال أحسن بوابة إلكترونية للجامعات، وهو ما يعكس حالة الاستهلاك الواسعة التي نعيشها كعرب، ويمكن طرح التساؤل عن عدد الجامعات، والمثقفين الذين يملكون مواقع إلكترونية محترمة وكبيرة.
هل تعتقدون أن الأمر يتعلق بالإمكانيات المادية؟ القضية ليست قضية إمكانيات بقدر ما هي قضية مبادرات ورفع للتحدي، فما يمنع أي مثقف من إنشاء موقع إلكتروني أو منتدى، ويضع فيه مساهماته وينزل فيه أكبر قدر من الأعمال من أجل تطوير اللغة العربية التي تبقى بعيدة عن الاستعمال. فبمقارنة بسيطة، نجد أن اللغة الإنجليزية التي تضم مليون كلمة؛ 60 % منها أصلية و40 % كلمات وافدة من لغات أخرى في إطار التعايش بين اللغات والانفتاح والتطور، تستعمل بشكل كبير عبر الشبكة العنكبوتية، على عكس اللغة العربية التي يضم قاموسها 12 مليون كلمة، لا يستعمل منها إلا 0.04%.
هل سطرتم استراتيجية من أجل دعم استعمال اللغة العربية؟ لن يكون بمقدورنا العمل وحدنا، فأنا كرئيس لهيئة لها صلاحياتها الدستورية، القانونية، والاستشارية فدورها محدد وواضح في هذا المجال فنحن نباشر مهام المتابعة ونعمل على الانصات لمختلف الافكار، وتقبل الاقتراحات من مختلف الهيئات والقطاعات وذوي الاختصاص قبل التوجه واستغلال هيئات أخرى من أجل العمل على ترقية اللغة العربية لتواكب العصر وتواجه التحديات ولذا أرى أننا سننزل الى الميدان قريبا ونجوب أرجاء الجزائر العميقة من أجل الإطلاع وجمع المعطيات الخاصة ببلدنا، وللعلم فإن اللغة مسألة مجتمع إذ تتطور بتطوره متى كان واعيا ومدركا لرهانات العصر وتحدياته وإن هناك هيئات حريصة عليها في اطار الحفاظ على الهوية الوطنية، فالأمر إذن يتعلق بخيارات ذات أبعاد سياسية وثقافية تعكس تطور كل مجتمع ونابعة من نظرة براغماتية للأشياء فما يطبق على بلد لا يمكن تطبيقه على آخر لأن لكل خصوصياته.
في مسألة تعديل الدستور، كمثقف، هل ترون أن الأمر صحي؟ ليس لدي اطلاع على الوثيقة التي تبقى بين أيدي الخبراء، ولا أستطيع إبداء أي حكم في الوقت الحالي، وأنا أرى أن الخبراء المختصين في مجال العلوم القانونية والدستورية، الذين هم على احتكاك مباشر مع القوانين، هم وحدهم المخول لهم الخوض في هذا الأمر، أما بخصوص البلدان التي سبقتنا في تعديل دساتيرها، فأظن أن الأمر متعلق بتطورات كل بلد ومجتمعه، وعلى سبيل الذكر لا الحصر، فالبريطانيون الذين كان بلدهم يحكم بالعرف، وفي ظل ظروف أمنية أملتها عليها المتغيرات، أصبحوا مجبرين على إصدار مراسيم وقوانين مكتوبة، ومن هنا يمكن الاستنتاج أن هناك بعض المراحل التي ربما تفرض عليك تغيير بعض الأمور من خلال المراجعة والتحسين.
بالعودة للحديث عن الروائي والشاعر عز الدين ميهوبي، هل لنا أن نعرف جديدك؟ في الوقت الحالي، لدي مجموعة من الروايات التي أعمل على جمعها وإصدارها مرة واحدة، وهي 6 روايات ستتم ترجمتها إلى اللغة الفرنسية، على غرار ”إرهابيس” التي أعتبرها تجربة تتحدث عن بعض رموز الدم والإرهاب في التاريخ والعالم، يقومون بإنشاء دولة لهم في إحدى الجزر في محاولة لابتداع إنسانية خاصة بهم، وهي رواية تحمل شيئا من التاريخ، الثقافة، الفكر مع إدانة للإرهاب برؤية ثقافية عميقة، كما أنوي أيضا نشر كتاب بعنوان ”خطأ أن تكتب، خطيئة أن تنسى” وهو عبارة عن مجموعة من المقالات الثقافية، الفكرية والسياسية، شأنه شأن كتاب ”بعيدا عن ميسي قريبا من ميسي” الذي يعد مجموعة من المقالات في الأدب الرياضي، يضاف إليهما كتاب ”طاسيليا”، وهو ديوان شعري مثل كتاب ”فراشة بيضاء لربيع أسود”، وكذا كتاب أخر بعنوان ”وعرفتهم”، وهو عبارة عن شهادات لبعض الشخصيات السياسية، الثقافية، الفنية التي صادفتها وعرفتها في مساري، كما أعدت طباعة روايتي ”التوابيت” وديوان ”في البدء كان أوراس”، إضافة إلى روايات ”تين أموث”، ”عين الزابر”، ”قسم أبوشا”. وقد قررت إصدار هذه الروايات جملة واحدة، بسبب ما وصلني من القراء حول الصعوبة في إيجاد بعض رواياتي في المكتبات، حيث اخترت ناشرا واحدا هو من سيتكفل بالترويج لها وتوزيعها على المستوى الوطني.
كيف يجد ميهوبي نفسه بين هذا الزخم من الكتابة والمسؤولية؟ طالما أن الإنسان يحب شيئا ويتعلق به ولديه الرغبة في تقديم هذا الشيء، فعليه ألا يبخل ولا يبخس مساهمته التي يراها مفيدة، أنا أحب الرياضة وأكتب في الرياضة، أحب الأدب والمسرح وأكتب فيهما، وأجد الوقت أثناء التنقل للكتابة في ذلك، كما آخذ جزءا كبيرا من وقت العائلة التي أرى أنني ظلمتها كثيرا في هذا الأمر، وهي متفهمة لطريقتي، وهذا الأمر لا يعود إلى الأمس القريب، وإنما منذ 20 سنة خلت وأنا مواظب ومداوم على هذه الطريقة، لا أنام سوى 4 ساعات وأتنقل كثيرا وأستغل هذا الوقت للكتابة، أتمنى أن تكون أعمالي مفيدة.
ما هو انطباعكم بخصوص إعلان قسنطينة عاصمة للثقافة العربية سنة 2015؟ هو حدث مهم وكبير يجب أن يستثمر على أحسن وجه بما يعيد إلى قسنطينة ثقلها الحقيقي، فإذا كانت فعلا عاصمة للثقافة والعلم، فإن الفرصة مواتية لهذه الولاية كي تستعيد مكانتها، ويجب أن يشعر كل مواطن في هذه المنطقة أنه معني بهذه التظاهرة، كما يجب التركيز على بناء نسيج جديد في كل المجالات التي تخدم البعد الثقافي، على غرار إنتاج أعمال، أفلام وكتب جديدة، ترميم بعض المعالم، ولم لا تشييد أخرى جديدة، حتى يتسنى لزائر الجزائر عند مروره بقسنطينة الوقوف عند هذه المحطة ويدرك أنه بمنطقة هي بالفعل عاصمة للثقافة والعلم، فأنا شخصيا أنتظر الكثير لأن قسنطينة تضم كفاءات وخبرات ونخبا جيدة إذا أتيحت لها الفرصة، ومناخا من التشجيع ومن الإمكانات المادية فإنها قادرة على تقديم الإضافة اللازمة في هذا المجال، كما أتوقع أن تجربتي الجزائر عاصمة الثقافة العربية وتلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، ستفيد في التحضير لهذه المناسبة.
وبماذا تنصحون؟ نصيحتي أن تؤخذ الأمور بجدية، والعمل على قدم وساق في سباق مع الزمن، وعدم ترك الأمور تسير دون برنامج مضبوط، لأن الوقت بعد ذلك سيكون عامل ضغط، يجب العمل وفق منهجية مسطرة والتنسيق مع مختلف القطاعات لعرض الأعمال المبرمجة للإنجاز بالتشاور مع الجامعات، لأن التظاهرة لن تقتصر على الأدب والشعر فقط، بل هي صورة متكاملة تقدم ملامح الحضارة التي نريد في هذه المنطقة.
وهل سيكون المجلس الأعلى للغة العربية حاضرا؟ سنكون شركاء في هذه التظاهرة، ونحن قد باشرنا أعمالنا على رأس المجلس الأعلى للغة العربية منذ أسبوعين فقط، وقد وضعنا هذه النقطة المهمة ضمن أولوياتنا، والتي سنقدم بشأنها ما نراه مفيدا وما يخدم اللغة العربية في هذه التظاهرة.