كل من استمع أمس، إلى رئيس الكيان الإسرائيلي المحتل، شمعون بيريز، وهو يتحدث عن السلام وفرصه المتاحة مع الفلسطينيين ينسيه ذلك في الماضي الأسود لهذا الرجل، ويعتقد جازما أنه صادق في دعوته وأنه فعلا رجل سلام. ورافع بيريز على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي حول منطقة الشرق الأوسط المنعقد بمدينة الشونة في الجانب الأردني لضفة البحر الميت، بوجود فرصة حقيقية لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، داعيا شعبي البلدين إلى تجاوز خلافاتهما والابتعاد عن كل شك وريبة بينهما لتحقيق هذا المبتغى. والأكثر من ذلك، أن بيريز وهو يتحدث عن إنهاء الصراع مع الفلسطينيين ظهر وكأنه حمامة سلام حقيقية عندما راح يدافع عن مبدأ حل الدولتين، الذي يقر بإقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنبا إلى جنب في سلام وكرامة، وقد جهر بهذا المبدأ وهو لا يؤمن به أصلا. وقد جاءت دعوة صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين باتجاهه لإقناع رئيس وزرائه بنيامين نتانياهو بقبول مبدأ حل الدولتين على حدود 1967، على أن تصريحه مجرد خدعة أراد تسويقها في هذا المنتدى الدولي، وبما يؤكد وجود ازدواجية وعدم تناسق في الخطاب في هرم سلطة الكيان المحتل. وقال عريقات "إننا نأمل من بيريز بذل كل جهد لإقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بذلك". ولكن عندما نعود إلى واقع الحال في الأراضي الفلسطينية والمعاناة اليومية، نقف حتما على الهوة القائمة بين هذه التصريحات الوردية وبين سياسة الأمر الواقع التي تفرضها إسرائيل على السلطة الفلسطينية. فإسرائيل تبقى أكبر معاد لفكرة حل الدولتين، وإذا قبلته فإنها لن تقبله إلا وفق المنظور الذي يخدمها والقاضي بجعل دولة فلسطين مجرد كيان بلا هوية، بل أشبه ببونتستان نظام ميز عنصري خاضع لإرادتها سواء من حيث قدراته الدفاعية أو حتى حدوده وسياسته الخارجية. ثم أن إصرار حكومات الاحتلال على رفض العودة إلى حدود الرابع جوان 1967 تعاكس مضمون تصريح بيريز نفسه وشرطها بضرورة اعتراف السلطة الفلسطينية بيهودية دولة الكيان المحتل، والسياسة الاستيطانية الغير مسبوقة التي شرعت فيها، هي كلها عقبات تجعل من الاستحالة بمكان حتى التفكير في إقامة دولة فلسطينية، وفق ما نصت عليه القوانين الدولية. وإذا كان الرئيس الإسرائيلي أشار إلى فرصة تحقيق السلام، إلا أن الجرأة خانته للاعتراف أن حكوماته المتعاقبة تعمل المستحيل على عرقلة تجسيد هذا المبدأ الذي تبنته الإدارة الأمريكية منذ عهد الرئيس المغادر جورج بوش، كخيار لإنهاء الصراع القائم في منطقة الشرق الأوسط، ولكنها فشلت في تمريره، بسبب الرفض الإسرائيلي القاطع. ولكن شمعون بيريز عندما طالب الفلسطينيين بعدم تضييع مزيد من الوقت لتحقيق هذا السلام، فإنه في الحقيقة يريده سلاما على مقاس إسرائيل التي ترفض إرجاع الأراضي التي ابتلعتها جرافاتها في الضفة الغربية، وإقامتها لمشاريع استيطانية غير مسبوقة وهودت القدس الشريف وطمست معالمه الإسلامية والعربية وحتى المسيحية. وهي حقائق تطرح التساؤل حول طبيعة السلام الذي تبحث عنه إسرائيل، اللهم إلا إذا كانت تريد تحقيقه على حساب الحقوق الفلسطينية، التي أشار إليها الرئيس محمود عباس في نفس المنتدى والتي تصر على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكل الأراضي الفلسطينية، ووقف الاستيطان وتحرير الأسرى الفلسطينيين.